ذَريعَةً إلَى المَعصِيَةِ .
ومِنهُم مَن أبعَدَهُ عَن طَلَبِ المُلكِ ضُؤولَةُ نَفسِهِ وَانقِطاعُ سَبَبِهِ ، فَقَصَرَتهُ الحالُ عَن حالِهِ فَتَحَلّى بِاسمِ القَناعَةِ وتَزَيَّنَ بِلِباسِ أهلِ الزَّهادَةِ ، ولَيسَ مِن ذلِكَ في مَراحٍ ولا مَغدًى .
وبَقِيَ رِجالٌ غَضَّ أبصارَهُم ذِكرُ المَرجِعِ ، وأراقَ دُموعَهُم خَوفُ المَحشَرِ ، فَهُم بَينَ شَريدٍ نادٍّ ، وخائِفٍ مَقموعٍ ، وساكِتٍ مَكعومٍ ، وداعٍ مُخلِصٍ ، وثَكلانَ موجَعٍ ، قَد أخمَلَتهُمُ التَّقِيَّةُ وشَمِلَتهُمُ الذِّلَّةُ ، فَهُم في بَحرٍ اُجاجٍ ، أفواهُهُم ضامِزَةٌ ۱ ، وقُلوبُهُم قَرِحَةٌ ، قَد وَعَظوا حَتّى مَلّوا وقُهِروا حَتّى ذَلّوا ، وقُتِلوا حَتّى قلّوا .
فَلتَكُنِ الدُّنيا في أعيُنِكُم أصغَرَ مِن حُثالَةِ القَرَظِ ۲ ، وقُراضَةِ ۳ الجَلَمِ ۴ ، وَاتَّعِظوا بِمَن كانَ قَبلَكُم ، قَبلَ أن يَتَّعِظَ بِكُم مَن بَعدَكُم ، وَارفُضوها ذَميمَةً ، فَإِنَّها قَد رَفَضَت مَن كانَ أشغَفَ بِها مِنكُم ۵ .
۵۳۹۱.نهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام لِكُمَيلِ بنِ زِيادٍ النَّخَعِيِّ ، قالَ كُمَيلُ بنُ زِيادٍ : أخَذَ بِيَدي أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام فَأَخرَجَني إلَى الجَبّانِ ۶ ، فَلَمّا أصحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَداءِ ثُمَّ قالَ :
يا كُمَيلَ بنَ زِيادٍ ، إنَّ هذِهِ القُلوبَ أوعِيَةٌ فَخَيرُها أوعاها ، فَاحفَظ عَنّى
¨
1.الضامِز : المُمسك (النهاية : ج۳ ص۱۰۰).
2.القَرَظ : وَرقُ السَّلَم (النهاية : ج۴ ص۴۳) .
3.القُراضة : ما سقط بالقَرض (لسان العرب : ج۷ ص۲۱۶) .
4.الجَلَم : الذي يُجَزُّ به الشَّعَر والصُّوف كالمقصّ (مجمع البحرين : ج۱ ص۳۰۷) وهما كناية عن الغاية في الزهادة .
5.نهج البلاغة : الخطبة ۳۲ ، بحار الأنوار : ج۷۸ ص۴ ح۵۴ ؛ مطالب السؤول : ص۳۲ .
6.الجَبّان والجبّانة : الصحراء ، وتسمّى بهما المقابر ؛ لأنّها تكون في الصحراء تسميةً للشيء بموضعه (لسان العرب : ج۱۳ ص۸۵) .