ذكرنا في بداية التحليل أنّ الحادثة قد تكون أحياناً فوق أن تنتظمها الاُطر التحليليّة العقلانيّة العاديّة ، ومن ثمّ يكفي في إثبات هذه الحوادث عدم استحالتها وتعارضها مع النصوص الثابتة .
وممّا لا ريب فيه أنّ وقوع مثل هذه الحادثة ـ الَّتي كان لها مثال قطعي في التاريخ ـ هو ليس محالاً عقلاً حتى تعدّ خارج دائرة القدرة الإلهيّة . على هذا الأساس لا يمنع من الإيمان بها كأمر «على خلاف العادة» بيدَ أنّه يتوائم مع العلل والعوامل الموجودة في الوجود ، وينسجم مع القدرة الإلهيّة ، علاوة على أنّه قد وقع فعلاً على عهد يوشع كما سلفت الإشارة إليه .
۶ ـ تعارض النقول وتنافيها
لقد رأينا كثرة النصوص الَّتي تتوفّر على نقل الواقعة . ولمّا كانت النقول الكثيرة تقترن غالباً مع ظاهرة النقل بالمعنى ، وتتخلّلها أغراض متعدّدة للرواة والناقلين ، وأساليب مختلفة في كيفية ضبط الواقعة ، فسيطرأ التغيّر على النصوص والنقول من حيث المحتوى .
فمن الرواة من ينقل الواقعة بأبعادها كافّة ، ومنهم من يكتفي بأصل الواقعة وهكذا ، ممّا لا ينفي النسيان ولا يُسقِط إمكان الخطأ .
على هذا الضوء يبدو أنّ تعدّد الأخبار حول الحادثة الواحدة واختلافها هو أمر طبيعي ، قد يُفضي أحياناً إلى تهافت بعض أجزائها وسقوطها عن الاعتبار . بيدَ أنّ هذا التنافي لا يوجب نفي أصل الواقعة ؛ لأنّ لذلك معايير وملاكات خاصّة .
لذلك يُعدّ خطأً كبيراً ما ذهب إليه نقّاد الواقعة من أنّ تنافي بعض خصوصيّاتها وتهافته يُفضي إلى كذب أصل الواقعة ونفيه .