الكبرى» بعدما ألقت كلمتها المشهورة في الكوفة بعد واقعة كربلاء جعلت عبيد اللّه ابن زياد يقول :
هذِهِ سَجّاعَةٌ! ولَعَمري لَقَد كانَ أبوها سِجّاعا شاعِرا ۱ .
ذكر الشريف الرضي أنّ الإمام عليّاً عليه السلام لَمّا سُئِلَ : مَن أشعَرُ الشُّعَراءِ؟ قالَ :
«إنَّ القَومَ لَم يجروا في حَلبَةٍ تُعرَفُ الغايَةُ عِندَ قَصَبَتِها ، فَإِن كانَ ولابُدَّ فَالمَلِكُ الضِّلّيلُ» ۲ .
وبيّن الشريف الرضي المراد من هذا الكلام بقوله : يُريدُ امرَأَ القَيسِ ۳ .
وفي هذا السياق استند الأديب والكاتب المصري المعروف الاُستاذ عبّاس محمود العقّاد إلى هذا الخبر وإلى غيره من الأخبار قائلاً في هذا المعنى :
«وعِندَنا أنَّهُ عليه السلام كانَ يَنظِمُ الشِّعرَ ويُحسِنُ النَّظَرَ فيهِ ، وكانَ نَقدُهُ لِلشَّعَراءِ نَقدَ عَليمٍ بَصيرٍ ، يَعرِفُ اختِلافَ مَذاهِبِ القَولِ ، وَاختِلافَ وُجوهِ المُقابَلَةِ وَالتَّفضيلِ عَلى حَسَبِ المَذاهِبِ . ومِن بَصَرِهِ بِوُجوهِ المُقابَلَةِ بَينَهُم أنَّهُ سُئِلَ : مَن أشعَرُ النّاسِ ۴ ؟ قالَ : إنَّ القَومَ لَم يَجروا في حَلبَةٍ تُعرَفُ الغايَةُ عِندَ قَصَبَتِها ، فَإِن كانَ ولابُدَّ فَالمَلِكُ الضِّلّيلُ .
وهذا ـ فيما نَعتَقِدُ ـ أوَّلُ تَقسيمٍ لِمَقاييسِ الشِّعرِ عَلى حَسَبِ «المَدارِسِ» وَ«الأَغراضِ الشِّعرِيَّةِ» بَينَ العَرَبِ ، فَلا تَكونُ المُقابَلَةُ إلّا بَينَ أشباهٍ وأمثالٍ ،
1.الإرشاد : ج۲ ص۱۱۶ ، مثير الأحزان : ص۹۰ ، كشف الغمّة : ج۲ ص۲۷۶ ، بحار الأنوار : ج۴۵ ص۱۱۶ ح۱ .
2.نهج البلاغة : الحكمة ۴۵۵ ؛ النهاية في غريب الحديث : ج۳ ص۹۸ .
3.نهج البلاغة : الحكمة ۴۵۵ . نقل ابن أبي الحديد عن ابن دُرَيد مضمون الجملة المذكورة ، ونقل تصريح الإمام عليه السلام بأنّ المراد من «الملك الضلّيل» امرؤ القيس (اُنظر شرح نهج البلاغة : ج۲۰ ص۱۵۳ و۱۵۴) .
4.في نهج البلاغة : «الشعراء» بدل «الناس» .