89
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس

المَجهولُ مُمتَنِعٌ ، فَلابُدَّ مِن دَلالَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله عَلَى الفَرضِ ؛ لِيَقطَعَ العُذرَ بَينَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ وبَينَ عِبادِهِ ، أ رَأَيتَ لَو فَرَضَ اللّهُ تَعالى عَلَى النّاسِ صَومَ شَهرٍ ، ولَم يُعلِمِ النّاسَ أيُّ شَهرٍ هُوَ ، ولَم يوسَم بِوَسمٍ ، وكانَ عَلَى النّاسِ استِخراجُ ذلِكَ بُعِقولِهِم ، حَتّى يُصيبوا ما أرادَ اللّهُ تَعالى ، فَيَكونُ النّاسُ حينَئِذٍ مُستَغنينَ عَنِ الرَّسولِ المُبَيِّنِ لَهُم ، وعَنِ الإِمامِ النّاقِلِ خَبَرَ الرَّسولِ إلَيهِم .
وقالَ آخَرُ : مِن أينَ أوجَبتَ أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ بالِغا حينَ دَعاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ؟ فَإِنَّ النّاسَ يَزعُمونَ أنَّهُ كانَ صَبِيّا حينَ دُعِيَ ، ولَم يَكُن جازَ عَلَيهِ الحُكمُ ، ولا بَلَغَ مَبلَغَ الرِّجالِ .
فَقالَ : مِن قِبَلِ أنَّهُ لا يَعرى في ذلِكَ الوَقتِ مِن أن يَكونَ مِمَّن اُرسِلَ إلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِيَدعُوَهُ ؛ فَإِن كانَ كَذلِكَ فَهُوَ مُحتَمِلُ التَّكليفِ ، قَوِيٌّ عَلى أداءِ الفَرائِضِ . وإن كانَ مِمَّن لَم يُرسَل إلَيهِ فَقَد لَزِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قَولُ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ : «وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ۱ » ۲ وكانَ مَعَ ذلِكَ فَقَد كَلَّفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عِبادَ اللّهِ ما لا يُطيقونَ عَنِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، وهذا مِنَ المُحالِ الَّذي يَمتَنِعُ كَونُهُ ، ولا يَأمُرُ بِهِ حَكيمٌ ، ولا يَدُلُّ عَلَيهِ الرَّسولُ ، تَعالَى اللّهُ عَن أن يَأمُرَ بِالمُحالِ ، وجَلَّ الرَّسولُ مِن أن يَأمُرَ بِخِلاف ما يُمكِنُ كَونُهُ في حِكمَةِ الحَكيمِ . فَسَكَتَ القَومُ عِندَ ذلِكَ جَميعا .
فَقالَ المَأمونُ : قَد سَأَلتُموني ونَقَضتُم عَلَيَّ ، أ فَأَسأَلُكُم؟
قالوا : نَعَم .
قالَ : أ لَيسَ قَد رَوَتِ الاُمَّةُ بِإِجماعٍ مِنها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النّارِ؟ قالوا : بَلى . قالَ : ورَوَوا عَنهُ عليه السلام أنَّهُ قالَ : مَن عَصَى اللّه

1.الوتين : عرق يسقي الكَبِد ، وإذا انقطع مات صاحبه (مفردات ألفاظ القرآن : ص۸۵۲) .

2.الحاقّة : ۴۴ ـ ۴۶ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
88

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا» ۱ . فَأَفعالُ الفاعِلِ تَبَعٌ لِأَصلِهِ ؛ فَإِن كانَ قِيامُهُ عَنِ اللّهِ تَعالى فَأَفعالُهُ عَنهُ ، وعَلَى النّاسِ الرِّضا وَالتَّسليمُ ، وقَد تَرَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله القِتالَ يَومَ الحُدَيبِيَّةِ يَومَ صَدَّ المُشرِكونَ هَديَهُ عَنِ البَيتِ ، فَلَمّا وَجَدَ الأَعوانَ وقَوِيَ حارَبَ ، كَما قالَ تعَالى فِي الأَوَّلِ ؛ «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ» ۲ ، ثُمَّ قالَ عَزَّ وجَلَّ : «فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ» ۳ .
قالَ آخَرُ : إذا زَعَمتَ أنَّ إمامَةَ عَلِيٍّ عليه السلام مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى ، وأنَّهُ مُفتَرَضُ الطّاعَةِ ، فَلِمَ لَم يَجُز إلَا التَّبليغُ وَالدُّعاءُ لِلأَنبِياءِ عليهم السلام ، وجازَ لِعَلِيٍّ أن يَترُكَ ما اُمِرَ بِهِ مِن دَعوَةِ النّاسِ إلى طاعَتِهِ؟
فَقالَ : مِن قِبَلِ أنّا لَم نَزعُم أنَّ عَلِياً عليه السلام اُمِرَ بِالتَّبليغِ فَيَكونَ رَسولاً ، ولكِنَّهُ عليه السلام وُضِعَ عَلَما بَينَ اللّهِ تَعالى وبَينَ خَلقِهِ ؛ فَمَن تَبِعَهُ كانَ مُطيعا ، ومَن خالَفَهُ كانَ عاصِيا ؛ فَإِن وَجَدَ أعوانا يَتَقَوّى بِهِم جاهَدَ ، وإن لَم يَجِد أعوانا فَاللَّومُ عَلَيهِم لا عَلَيهِ ؛ لِأَ نَّهُم اُمِروا بِطاعَتِهِ عَلى كُلِّ حالٍ ، ولَم يُؤمَر هُوَ بِمُجاهَدَتِهِم إلّا بِقُوَّةٍ ، وهُوَ بِمَنزِلَةِ البَيتِ ؛ عَلَى النّاسِ الحَجُّ إلَيهِ ؛ فَإِذا حَجّوا أدَّوا ما عَلَيهِم ، وإذا لَم يَفعَلوا كانَتِ اللّائِمَةُ عَلَيهِم ، لا عَلَى البَيتِ .
وقالَ آخَرُ : إذا اُوجِبَ أنَّهُ لابُدَّ مِن إمامٍ مُفتَرَضِ الطّاعَةِ بِالاِضطِرارِ ، كَيفَ يَجِبُ بِالاِضطِرارِ أنَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام دونَ غَيرِهِ؟
فَقالَ : مِن قِبَلِ أنَّ اللّهَ تعَالى لا يَفرِضُ مَجهولاً ، ولا يَكونُ المَفروضُ مُمتَنِعا ؛ إذ

1.النساء : ۶۵ .

2.الحِجر : ۸۵ .

3.التوبة : ۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 24608
صفحه از 520
پرینت  ارسال به