87
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس

لِاءِبراهيمَ عليه السلام : «إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» ۱ ، وكَما قالَ عَزَّ وجَلَّ لِداوُدَ عليه السلام : «يَـدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ» ۲ ، وكَما قالَ عَزَّ وجَلَّ لِلمَلائِكَةِ في آدَمَ عليه السلام : «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ۳ ؛ فَالإِمامُ إنَّما يَكونُ إماما مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى ، وبِاختِيارِهِ إيّاهُ في بَدءِ الصَّنيعَةِ ، وَالتَّشريفِ فِي النَّسَبِ ، وَالطَّهارَةِ فِي المَنشَأِ ، وَالعِصمَةِ فِي المُستَقبَلِ ، ولَو كانَت بِفِعلٍ مِنهُ في نَفسِهِ كانَ مَن فَعَلَ ذلِكَ الفِعلَ مُستَحِقّا لِلإِمامَةِ ، وإذا عَمِلَ خِلافَهَا اعتَزَلَ ، فَيَكونُ خَليفَةً قَبلَ أفعالِهِ .
قالَ آخَرُ : فَلِمَ أوجَبَ الإمامَةَ لِعَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ؟
فَقالَ : لِخُروجِهِ مِنَ الطُّفولِيَّةِ إلَى الإِيمانِ كَخُروجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِنَ الطُّفولِيَّةِ إلَى الإِيمانِ وَالبَراءَةِ مِن ضَلالَةِ قَومِهِ عَنِ الحُجَّةِ وَاجتِنابِهِ الشِّركَ ۴ ، كَبَراءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله مِنَ الضَّلالَةِ وَاجتِنابِهِ لِلشِّركِ ؛ لاِنَّ الشِّركَ ظُلمٌ ، ولا يَكونُ الظّالِمُ إماما ، ولا مَن عَبَدَ وَثَنا بِإِجماعٍ ، ومَن أشَرَكَ فَقَد حَلَّ مِنَ اللّهِ تَعالى مَحَلَّ أعدائِهِ ، فَالحُكمُ فيهِ الشَّهادَةُ عَلَيهِ بِمَا اجتَمَعَت عَلَيهِ الاُمَّةُ حَتّى يَجيءَ إجماعٌ آخَرُ مِثلُهُ ، ولِأَنَّ مَن حُكِمَ عَلَيهِ مَرَّةً فَلا يَجوزُ أن يَكونَ حاكِما ، فَيَكونَ الحاكِمُ مَحكوما عَلَيهِ ، فَلا يَكونُ حينَئِذٍ فَرقٌ بَينَ الحاكِمِ وَالمَحكومِ عَلَيهِ .
قالَ آخَرُ : فَلِمَ لَم يُقاتِل عَلِيٌّ عليه السلام أبا بَكرٍ وعُمَرَ كَما قاتَلَ مُعاوِيَةَ؟
فَقالَ : المَسأَلَةُ مُحالٌ ؛ لِأنَّ «لِمَ» اقتِضاءٌ ، و «لَم يَفعَل» نَفيٌ ، وَالنَّفيُ لا يَكونُ لَهُ عِلَّةٌ ، إنَّمَا العِلَّةُ لِلإِثباتِ ، وإنَّما يَجِبُ أن يُنظَرَ في أمرِ عَلِيٍّ عليه السلام أمِن قِبَلِ اللّهِ أم مِن قِبَلِ غَيرِهِ؟ فَإِن صَحَّ أنَّهُ مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى فَالشَّكُّ في تَدبيرِهِ كُفرٌ ؛ لِقَولِهِ تَعالى :

1.البقرة : ۱۲۴ .

2.ص : ۲۶ .

3.البقرة : ۳۰ .

4.في المصدر : «لشرك» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
86

قالَ آخَرُ : فَقَد رُوِيَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قالَ : ما رَآهُ المُسلِمونَ حَسَنا فَهُوَ عِندَ اللّهِ تَعالى حَسَنٌ ، وما رَأَوهُ قَبيحا فَهُوَ عِندَ اللّهِ قَبيحٌ .
فَقالَ : هذَا القَولُ لابُدَّ مِن أن يَكونَ يُريدُ كُلَّ المُؤمِنينَ أو البَعضَ ؛ فَإِن أرادَ الكُلَّ فَهذا مَفقودٌ ؛ لِأَنَّ الكُلَّ لا يُمكِنُ اجتِماعُهُم ، وإن كانَ البَعضَ فَقَد رَوى كُلٌّ في صاحِبِهِ حُسنا مِثلُ رِوايَةِ الشّيعَةِ في عَلِيٍّ ، ورِوايَةِ الحَشوِيَّةِ في غَيرِهِ ، فَمَتى يَثبُتُ ما تُريدونَ مِنَ الإِمامَةِ ؟
قالَ آخَرُ : فَيَجوزُ أن تَزعُمَ أنَّ أصحابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أخطَأوا؟
قالَ : كَيفَ نَزعُمُ أنَّهُم أخطَأوا وَاجتَمَعوا عَلى ضَلالَةٍ وهُم لَم يَعلَموا فَرضاً ولا سُنَّةً ؛ لِأَ نَّكَ تَزعُمُ أنَّ الإِمامَةَ لا فَرضٌ مِنَ اللّهِ تَعالى ولا سُنَّةٌ مِنَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، فَكَيفَ يَكونُ فيما لَيسَ عِندَكَ بِفَرضٍ ولا سُنَّةٍ خَطَأٌ .
قالَ آخَرُ : إن كُنتَ تَدَّعي لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الإِمامَةِ دونَ غَيرِهِ ، فَهاتِ بَيِّنَتَكَ عَلى ما تَدَّعي .
فَقالَ : ما أنَا بِمُدَّعٍ ولكِنّي مُقِرٌّ ، ولا بَيِّنَةَ عَلى مُقِرٍّ ، وَالمُدَّعي مَن يَزعُمُ أنَّ إلَيهِ التَّولِيَةَ وَالعَزلَ ، وأنَّ إلَيهِ الاِختِيارَ ، وَالبَيِّنَةُ لا تَعرى مِن أن تَكونَ مِن شُرَكائِهِ ؛ فَهُم خُصَماءُ ، أو تَكونَ من غَيرِهِم وَالغَيرُ مَعدومٌ ، فَكَيفَ يُؤتى بِالبَيِّنَةِ عَلى هذا؟
قالَ آخَرُ : فَما كانَ الواجِبُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام بَعدَ مُضِيِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟
قالَ : ما فَعَلَهُ .
قالَ : أ فَما وَجَبَ أن يُعلِمَ النّاسَ أنَّهُ إمامٌ؟
فَقالَ : إنَّ الإِمامَةَ لا تَكونُ بِفِعلٍ مِنهُ في نَفسِهِ ، ولا بِفِعلٍ مِنَ النّاسِ فيه مِنِ اختِيارٍ أو تَفضيلٍ أو غَيرِ ذلِكَ ، إنَّما تَكونُ ۱ بِفِعلٍ مِنَ اللّهِ تَعالى فيهِ ، كَما قال

1.في المصدر : «وإنّها يكون» ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 24637
صفحه از 520
پرینت  ارسال به