71
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس

أحَدِكُم زِيادَةً فَليَزِد ، وإن أتى بِخَلَلٍ فَسَدِّدوهُ .
فَقالَ قائِلٌ مِنهُم : إنَّما نَحنُ نَزعُمُ أنَّ خَيرَ النّاسِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبو بَكرٍ مِن قِبَلِ أنَّ الرِّوايَةَ المُجمَعَ عَلَيها جاءَت عَنِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : اِقتَدوا بِاللَّذَينِ مِن بَعدي أبي بَكرٍ وعُمَرَ ، فَلَمّا أمَرَ نَبِيُّ الرَّحمَةِ بِالِاقتِداءِ بِهِما ، عَلِمنا أنَّهُ لَم يَأمُر بِالِاقتِداءِ إلّا بِخَيرِ النّاسِ .
فَقالَ المَأمونُ : الرِّواياتُ كَثيرَةٌ ، ولابُدَّ مِن أن تَكونَ كُلُّها حَقّا أو كُلُّها باطِلاً ، أو بَعضُها حَقّا وبَعضُها باطِلاً ؛ فَلَو كانَت كُلُّها حَقّا كانَت كُلُّها باطِلاً ؛ مِن قِبَلِ أنَّ بَعضَها يَنقُضُ بَعضا ، ولَو كانَت كُلُّها باطِلاً كانَ في بُطلانِها بُطلانُ الدّينِ ، ودُروسُ الشَّريعَةِ ؛ فَلَمّا بَطَلَ الوَجهانِ ثَبَتَ الثّالِثُ بِالاِضطِرارِ ؛ وهُوَ أنَّ بَعضَها حَقٌّ وبَعضَها باطِلٌ ؛ فَإِذا كانَ كَذلِكَ فَلابُدَّ مِن دَليلٍ عَلى ما يَحِقُّ مِنها ؛ لِيُعتَقَدَ ، ويُنفى خِلافُهُ ، فَإِذا كانَ دَليلُ الخَبَرِ في نَفسِهِ حَقّا كانَ أولى ما أعتَقِدُهُ وآخُذُ بِهِ .
ورِوايَتُكَ هذِهِ مِنَ الأَخبارِ الَّتي أدِلَّتُها باطِلَةٌ في نَفسِها ، وذلِكَ أنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أحكَمُ الحُكَماءِ ، وأولَى الخَلقِ بِالصِّدقِ ، وأبعَدُ النّاسِ مِنَ الأَمرِ بِالمُحالِ ، وحَملِ النّاسِ عَلَى التَّدَيُّنِ بِالخِلافِ ؛ وذلِكَ أنَّ هذَينِ الرَّجُلَينِ لا يَخلُوا مِن أن يَكونا مُتَّفِقَينِ مِن كُلِّ جِهَةٍ أو مُختَلِفَينِ ؛ فَإِن كانا مُتَّفِقَينِ مِن كُلِّ جِهَةٍ كانا واحِدا فِي العَدَدِ وَالصِّفَةِ وَالصّورَةِ وَالجِسمِ ، وهذا مَعدومٌ أن يَكونَ اثنانِ بِمَعنىً واحِدٍ مِن كُلِّ جِهَةٍ ، وإن كانا مُختَلِفَينِ ، فَكَيفَ يَجوزُ الِاقتِداءُ بِهِما ؟ وهذا تَكليفُ ما لا يُطاقُ ؛ لِأَ نَّكَ إذَا اقتَدَيتَ بِواحِدٍ خالَفتَ الآخَرَ .
وَالدَّليلُ عَلَى اختِلافِهِما أنَّ أبا بَكرٍ سَبى أهلَ الرِّدَّةِ ورَدَّهُم عُمَرُ أحرارا ، وأشارَ عُمَرُ إلى أبي بَكرٍ بِعَزلِ خالِدٍ وبِقَتلِهِ بِمالِكِ بنِ نُوَيرَةَ ، فَأَبى أبو بَكرٍ عَلَيهِ ، وحَرَّمَ عُمَرُ المُتعَتَينِ ولَم يَفعَل ذلِكَ أبو بَكرٍ ، ووَضَعَ عُمَرُ ديوانَ العَطِيَّةِ ولَم يَفعَلهُ أبو بَكرٍ ،


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
70

عَلِيٍّ عليه السلام وتَفضيلِهِ عَلى سائِرِ النّاسِ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ـعيون ۱ أخبار الرضا عن إسحاق بن حمّاد بن زيد : سَمِعنا ۲ يَحيَى بنَ أكثَمَ القاضِيَ قالَ : أمَرَنِي المَأمونُ بِإِحضارِ جَماعَةٍ مِن أهلِ الحَديثِ ، وجَماعَةٍ مِن أهلِ الكَلامِ وَالنَّظَرِ ، فَجَمَعتُ لَهُ مِنَ الصِّنفَينِ زُهاءَ أربَعينَ رَجُلاً ، ثُمَّ مَضَيتُ بِهِم ، فَأَمَرتُهُم بِالكَينونَةِ في مَجلِسِ الحاجِبِ لِاُعلِمَهُ بِمَكانِهِم ، فَفَعَلوا فَأَعلَمتُهُ ، فَأَمَرَني بِإِدخالِهِم ، فَدَخَلوا فَسَلَّموا فَحَدَّثَهُم ساعَةً وآنَسَهُم ، ثُمَّ قالَ :
إنّي اُريدُ أن أجعَلَكُم بَيني وبَينَ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى في يَومي هذا حُجَّةً ؛ فَمَن كانَ حاقِناً ۳ أو لَهُ حاجَةٌ فَليَقُم إلى قَضاءِ حاجَتِهِ ، وَانبَسِطوا وسُلّوا أخفافَكُم وضَعوا أردِيَتَكُم ، فَفَعَلوا ما اُمِروا بِهِ ، فَقالَ :
يا أيُّهَا القَومُ! إنَّمَا استَحضَرتُكُم لِأَحتَجَّ بِكُم عِندَ اللّهِ تَعالى ، فَاتَّقُوا اللّهَ وَانظُروا لِأَنفُسِكُم وإمامِكُم ، ولا يَمنَعكُم جَلالَتي ومَكاني مِن قَولِ الحَقِّ حَيثُ كانَ ، ورَدِّ الباطِلِ على مَن أتى بِهِ ، وأشفِقوا عَلى أنفُسِكُم مِنَ النّارِ ، وتَقَرَّبوا إلَى اللّهِ تَعالى بِرِضوانِهِ ، وإيثارِ طاعَتِهِ ؛ فَما أحَدٌ تَقَرَّبَ إلى مَخلوقٍ بِمَعصِيَةِ الخالِقِ إلّا سَلَّطَهُ اللّهُ عَلَيهِ ، فَناظِروني بِجَميعِ عُقولِكُم .
إنّي رَجُلٌ أزعُمُ أنَّ عَلِيّاً عليه السلام خَيرُ البَشَرِ بَعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ فَإِن كُنتُ مُصيباً فَصَوِّبوا قَولي ، وإن كُنتُ مُخطِئاً فَرُدّوا عَلَيَّ ، وهلُمّوا ؛ فَإِن شِئتُم سَأَلتُكُم ، وإن شِئتُم سَأَلتُموني .
فَقالَ لَهُ الَّذينَ يَقولونَ بِالحَديثِ : بَل نَسأَلُكَ .
فَقالَ : هاتوا ، وقَلِّدوا كَلامَكُم رَجُلاً واحِدا مِنكُم ، فَإِذا تَكَلَّمَ ؛ فَإِن كانَ عِند

1.المأمون الخليفة العبّاسي : ولد سنة (۱۷۰ ه ) ومات سنة (۲۱۸ ه ) وله ثمان وأربعون سنة . وقرأ العلم فوالأدب والأخبار والعقليّات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم (راجع سير أعلام النبلاء: ج۱۰ ص۲۷۲ الرقم۷۲).

2.في المصدر : «جمعنا» ، والأنسب ما أثبتناه كما في بحار الأنوار.

3.هو الذي حبس بوله (النهاية : ج۱ ص۴۱۶) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 24689
صفحه از 520
پرینت  ارسال به