شَرقِ الأَرضِ وغَربِها ، وَاجتَهَدوا بِكُلِّ حيلَةٍ في إطفاءِ نورِهِ وَالتَّحريضِ عَلَيهِ ، ووَضعِ المَعايِبِ وَالمَثالِبِ لَهُ ، ولَعَنوهُ عَلى جَميعِ المَنابِرِ ، وتَوَعَّدوا مادِحيهِ ، بَل حَبَسوهُم وقَتَلوهُم ، ومَنَعوا مِن رِوايَةِ حَديثٍ يَتَضَمَّنُ لَهُ فَضيلَةً ، أو يَرفَعُ لَهُ ذِكرا ، حَتّى حَظَروا أن يُسَمّى أحَدٌ بِاسمِهِ ، فَما زادَهُ ذلِكَ إلّا رِفعَةً وسُمُوّا ، وكانَ كَالمِسكِ كُلَّما سُتِرَ انتَشَرَ عَرفُهُ ، وكُلَّما كُتِمَ تَضَوَّعَ نَشرُهُ ، وكَالشَّمسِ لا تُستَرُ بِالرّاحِ ، وكَضَوءِ النَّهارِ إن حُجِبَت عَنهُ عَينٌ واحِدَةٌ أدرَكَتهُ عُيونٌ كَثيرَةٌ .
وما أقولُ في رَجُلٍ تُعزى إلَيهِ كُلُّ فَضيلَةٍ ، وتَنتَهي إلَيهِ كُلُّ فِرقَةٍ ، وتَتَجاذَبُهُ كُلُّ طائِفَةٍ ، فَهُوَ رَئيسُ الفَضائِلِ ويَنبوعُها ، وأبو عُذرِها ، وسابِقُ مِضمارِها ، ومُجَلّي حَلبَتِها ، كُلُّ مَن بَزَغَ فيها بَعدَهُ فَمِنهُ أخَذَ ، ولَهُ اقتَفى ، وعَلى مِثالِهِ احتَذى ۱ .
۳۹۴۷.شرح نهج البلاغةـ في ذَيلِ الخُطبَةِ الثّانِيَةِ ـ: إن قيلَ : ما مَعنى قَولِهِ عليه السلام : «لا يُقاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ مِن هذِهِ الاُمَّةِ أحَدٌ ، ولا يُسَوّى بِهِم مَن جَرَت نِعمَتُهُم عَلَيهِ أبَدا» ؟
قيلَ : لا شُبهَةَ أنَّ المُنعِمَ أعلى وأشرَفُ مِنَ المُنعَمِ عَلَيهِ ، ولا رَيبَ أنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وأهلَهُ الأَدنَينَ مِن بَني هاشِمٍ ـ لا سِيَّما عَلِيّا عليه السلام ـ أنعَموا عَلَى الخَلقِ كافَّةً بِنِعمَةٍ لا يُقَدَّرُ قَدرُها ؛ وهِيَ الدُّعاءُ إلَى الإِسلامِ وَالهِدايَةُ إلَيهِ ، فَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وإن كانَ هَدَى الخَلقَ بِالدَّعوَةِ الَّتي قامَ بِها بِلِسانِهِ ويَدِهِ ، ونُصرَةِ اللّهِ تَعالى لَهُ بِمَلائِكَتِهِ وتَأييدِهِ ، وهُوَ السَّيِّدُ المَتبوعُ ، وَالمُصطَفَى المُنَتَجَبُ الواجِبُ الطّاعَةِ ، إلّا أنَّ لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الهِدايَةِ أيضا ـ وإن كانَ ثانِيا لِأَوَّلَ ، ومُصَلِّيا عَلى إثرِ سابِقٍ ـ ما لا يُجحَدُ ، ولَو لَم يَكُن إلّا جِهادُهُ بِالسَّيفِ أوَّلاً وثانِيا ، وما كانَ بَينَ الجِهادَينِ مِن نَشرِ العُلومِ وتَفسيرِ القُرآنِ وإرشادِ العَرَبِ إلى ما لَم تَكُن لَهُ فاهِمَةً ولا مُتَصَوِّرَةً ، لَكفى في وُجوبِ حَقِّهِ ، وسُبوغِ نِعمَتِهِ عليه السلام .