47
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس

فَإِن قيلَ : لا رَيبَ في أنَّ كَلامَهُ هذا تَعريضٌ بِمَن تَقَدَّمَ عَلَيهِ ، فَأَيُّ نِعمَةٍ لَهُ عَلَيهِم ؟
قيلَ : نِعمَتانِ :
الاُولى مِنهُما : الجِهادُ عَنهُم وهُم قاعِدونَ ؛ فَإِنَّ مَن أنصَفَ عَلِمَ أنَّهُ لَولا سَيفُ عَلِيٍّ عليه السلام لَاصطَلَمَ المُشرِكونَ مَن أشارَ إلَيهِ وغَيرَهُم مِنَ المُسلِمينَ ، وقَد عُلِمَت آثارُهُ في بَدرٍ ، واُحُدٍ ، وَالخَندَقِ ، وخَيبَرَ ، وحُنَينٍ ، وأنَّ الشِّركَ فيها فَغَرَ فاهُ ۱ ، فَلَولا أن سَدَّهُ بِسَيفِهِ لَالتَهَمَ المُسلِمينَ كافَّةً .
وَالثّانِيَةُ : عُلومُهُ الَّتي لَولاها لَحُكِمَ بِغَيرِ الصَّوابِ في كَثيرٍ مِنَ الأَحكامِ ، وقَدِ اعتَرَفَ عُمَرُ لَهُ بِذلِكَ ، وَالخَبَرُ مَشهورٌ : «لَولا عَلِيٌّ لَهَلَكَ عُمَرُ» . . . .
وَاعلَم أنَّ عَلِيّا عليه السلام كانَ يَدَّعِي التَّقَدُّمَ عَلَى الكُلِّ ، وَالشَّرَفَ عَلَى الكُلِّ ، وَالنِّعمَةَ عَلَى الكُلِّ ، بِابنِ عَمِّهِ صلى الله عليه و آله ، وبِنَفسِهِ ، وبِأَبيهِ أبي طالِبٍ ؛ فَإِنَّ مَن قَرَأَ عُلومَ السِّيَرِ عَرَفَ أنَّ الإِسلامَ لَولا أبو طالِبٍ لَم يَكُن شَيئا مَذكورا ۲ .

۹ / ۲

أبو جَعفرٍ الإِسكافِيُّ

۳۹۴۸.شرح نهج البلاغة :۳ قالَ شَيخُنا أبو جَعفَرٍ : . . . قَد عَلِمنا ضَرورَةً مِن دينِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله

1.فَغَرَ فاه : فتحه وشحاه (لسان العرب : ج۵ ص۵۹) .

2.شرح نهج البلاغة : ج۱ ص۱۴۰ .

3.أبو جعفر محمّد بن عبد اللّه السمرقندي ، أحد متكلّمي المعتزلة : كان عجيب الشأن في العلم والذكاء وصيانة النفس ونبل الهمّة والنزاهة ، بلغ في مقدار عمره ما لم يبلغه أحد من نظرائه . وكان المعتصم يعظّمه جدّا . قال ابن أبي الحديد : وهو الذي نقض كتاب «العثمانيّة» على أبي عثمان الجاحظ في حياته . ودخل الجاحظ الورّاقين ببغداد . فقال : من هذا الغلام السوادي الذي بلغني أنّه تعرَّض لنقض كتابي! وأبو جعفر جالس ، فاختفى منه حتى لم يَرَه . وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد ، ويبالغ في ذلك ، وكان علويّ الرأي ، محقّقا منصفا ، قليل العصبيّة . مات سنة أربعين ومئتين . وتعبير ابن أبي الحديد في حقّ هذا الرجل بـ «شيخنا» مع وجود الفاصلة الزمنيّة الكبيرة بينهما لكونه من المعتزلة ، وكثيرا ما يعبّر في شرح نهج البلاغة عن شيوخ المعتزلة بـ «شيخنا» (راجع شرح نهج البلاغة : ج۱۷ ص۱۳۳ والمعيار والموازنة : ص۴ وسير أعلام النبلاء : ج۱۰ ص۵۵۰ الرقم ۱۸۲) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
46

شَرقِ الأَرضِ وغَربِها ، وَاجتَهَدوا بِكُلِّ حيلَةٍ في إطفاءِ نورِهِ وَالتَّحريضِ عَلَيهِ ، ووَضعِ المَعايِبِ وَالمَثالِبِ لَهُ ، ولَعَنوهُ عَلى جَميعِ المَنابِرِ ، وتَوَعَّدوا مادِحيهِ ، بَل حَبَسوهُم وقَتَلوهُم ، ومَنَعوا مِن رِوايَةِ حَديثٍ يَتَضَمَّنُ لَهُ فَضيلَةً ، أو يَرفَعُ لَهُ ذِكرا ، حَتّى حَظَروا أن يُسَمّى أحَدٌ بِاسمِهِ ، فَما زادَهُ ذلِكَ إلّا رِفعَةً وسُمُوّا ، وكانَ كَالمِسكِ كُلَّما سُتِرَ انتَشَرَ عَرفُهُ ، وكُلَّما كُتِمَ تَضَوَّعَ نَشرُهُ ، وكَالشَّمسِ لا تُستَرُ بِالرّاحِ ، وكَضَوءِ النَّهارِ إن حُجِبَت عَنهُ عَينٌ واحِدَةٌ أدرَكَتهُ عُيونٌ كَثيرَةٌ .
وما أقولُ في رَجُلٍ تُعزى إلَيهِ كُلُّ فَضيلَةٍ ، وتَنتَهي إلَيهِ كُلُّ فِرقَةٍ ، وتَتَجاذَبُهُ كُلُّ طائِفَةٍ ، فَهُوَ رَئيسُ الفَضائِلِ ويَنبوعُها ، وأبو عُذرِها ، وسابِقُ مِضمارِها ، ومُجَلّي حَلبَتِها ، كُلُّ مَن بَزَغَ فيها بَعدَهُ فَمِنهُ أخَذَ ، ولَهُ اقتَفى ، وعَلى مِثالِهِ احتَذى ۱ .

۳۹۴۷.شرح نهج البلاغةـ في ذَيلِ الخُطبَةِ الثّانِيَةِ ـ: إن قيلَ : ما مَعنى قَولِهِ عليه السلام : «لا يُقاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ مِن هذِهِ الاُمَّةِ أحَدٌ ، ولا يُسَوّى بِهِم مَن جَرَت نِعمَتُهُم عَلَيهِ أبَدا» ؟
قيلَ : لا شُبهَةَ أنَّ المُنعِمَ أعلى وأشرَفُ مِنَ المُنعَمِ عَلَيهِ ، ولا رَيبَ أنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وأهلَهُ الأَدنَينَ مِن بَني هاشِمٍ ـ لا سِيَّما عَلِيّا عليه السلام ـ أنعَموا عَلَى الخَلقِ كافَّةً بِنِعمَةٍ لا يُقَدَّرُ قَدرُها ؛ وهِيَ الدُّعاءُ إلَى الإِسلامِ وَالهِدايَةُ إلَيهِ ، فَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وإن كانَ هَدَى الخَلقَ بِالدَّعوَةِ الَّتي قامَ بِها بِلِسانِهِ ويَدِهِ ، ونُصرَةِ اللّهِ تَعالى لَهُ بِمَلائِكَتِهِ وتَأييدِهِ ، وهُوَ السَّيِّدُ المَتبوعُ ، وَالمُصطَفَى المُنَتَجَبُ الواجِبُ الطّاعَةِ ، إلّا أنَّ لِعَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الهِدايَةِ أيضا ـ وإن كانَ ثانِيا لِأَوَّلَ ، ومُصَلِّيا عَلى إثرِ سابِقٍ ـ ما لا يُجحَدُ ، ولَو لَم يَكُن إلّا جِهادُهُ بِالسَّيفِ أوَّلاً وثانِيا ، وما كانَ بَينَ الجِهادَينِ مِن نَشرِ العُلومِ وتَفسيرِ القُرآنِ وإرشادِ العَرَبِ إلى ما لَم تَكُن لَهُ فاهِمَةً ولا مُتَصَوِّرَةً ، لَكفى في وُجوبِ حَقِّهِ ، وسُبوغِ نِعمَتِهِ عليه السلام .

1.شرح نهج البلاغة : ج۱ ص۱۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب علیه السلام في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 24571
صفحه از 520
پرینت  ارسال به