ويَمُرُّ شِبهَ الطّائِرِ عَقلُهُ ، فَقالَ : أ راقِدٌ يا حَبَّةُ أم رامِقٌ ؟ قُلتُ : رامِقٌ ، هذا أنتَ تَعمَلُ هذَا العَمَلَ فَكَيفَ نَحنُ ؟ ! قالَ : فَأَرخى عَينَيهِ فَبَكى ، ثُمَّ قالَ لي : يا حَبَّةُ ، إنَّ لِلّهِ مَوقِفا ، ولَنا بَينَ يَدَيهِ مَوقِفٌ ، لا يَخفى عَلَيهِ شَيءٌ مِن أعمالِنا . يا حَبَّةُ ، إنَّ اللّهَ أقرَبُ إلَيكَ وإلَيَّ مِن حَبلِ الوَريدِ . يا حَبَّةُ ، إنَّهُ لَن يَحجُبَني ولا إيّاكَ عَنِ اللّهِ شَيءٌ .
قالَ ثُمَّ قالَ : أراقِدٌ أنتَ يا نَوفٌ ؟ قالِ : لا يا أميرَ المُؤمِنينَ ما أنَا بِراقِدٍ ، ولَقَد أطَلتَ بُكائي هذِهِ اللَّيلَةَ . فَقالَ : يا نَوفُ ، إن طالَ بُكاؤُكَ فِي هذَا اللَّيلِ مَخافَةً مِنَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، قَرَّت عَيناكَ غَدا بَينَ يَدَيِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ . يا نَوفُ ، إنَّهُ لَيسَ مِن قَطرَةٍ قَطَرَت مِن عَينِ رَجُلٍ مِن خَشيَةِ اللّهِ إلّا أطفَأَت بِحارا مِنَ النّيرانِ .
يا نَوفٌ ، إنَّهُ لَيسَ مِن رَجُلٍ أعظَمَ مَنزِلَةً عِندَ اللّهِ مِن رَجُلٍ بَكى مِن خَشيَةِ اللّهِ ، وأحَبَّ فِي اللّهِ ، وأبغَضَ فِي اللّهِ . يا نَوفُ ، إنَّهُ مَن أحَبَّ فِي اللّهِ لَم يَستَأثِر عَلى مُحِبّيهِ ، ومَن أبغَضَ فِي اللّهِ لَم يُنِل مُبغِضيهِ خَيرا ، عِندَ ذلِكَ استَكمَلتُم حَقائِقَ الإِيمانِ .
ثُمَّ وَعَظَهُما وذَكَّرَهُما . وقالَ في أواخِرِهِ : فَكونوا مِنَ اللّهِ عَلى حَذَرٍ فَقَد أنذَرتُكُما .
ثُمَّ جَعَلَ يَمُرُّ وهُوَ يَقولُ : لَيتَ شِعري في غَفَلاتي ، أمُعرِضٌ أنتَ عَنّي أم ناظِرٌ إلَيَّ ؟ ولَيتَ شِعري في طولِ مَنامي وقِلَّةِ شُكري في نِعَمِكَ عَلَيَّ ، ما حالي ؟ قالَ : فَوَاللّهِ ما زالَ فِي هذَا الحالِ حَتّى طَلَعَ الفَجرُ ۱ .
۴۳۰۹.الخصال عن نوف البكالي :بِتُّ لَيلَةً عِندَ أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَكانَ يُصَلِّي اللَّيلَ كُلَّهُ ، ويَخرُجُ ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ ؛ فَيَنظُرُ إلَى السَّماءِ ويَتلُو القُرآنَ قالَ : فَمُرَّ بي بَعدَ هُدوءٍ مِنَ اللَّيلِ ، فَقالَ : يا نَوفُ ، أراقِدٌ أنتَ أم رامِقٌ ؟ قُلتُ : بَل رامِقٌ ، أرمُقُكَ بِبَصَري يا أميرَ المُؤمِنينَ . قالَ :