قالَ المَأمونُ : هذا خِلافُ الكِتابِ أيضا ؛ لِأَنَّ اللّهَ تَعالى يَقولُ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ» ۱ فَجَعَلتُم عُمَرَ مِثلَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله !
قالَ آخَرُ : فَقَد شَهِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لِعُمَرَ بِالجَنَّةِ في عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ .
فَقالَ المَأمونُ : لَو كانَ هذا كَما زَعَمتُم ، لَكانَ عُمَرُ لا يَقولُ لِحُذَيفَةَ : نَشَدتُكَ بِاللّهِ أمِنَ المُنافِقينَ أنَا ؟ فَإِن كانَ قَد قالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : أنتَ مِن أهلِ الجَنَّةِ ولَم يُصَدِّقهُ حَتّى زَكّاهُ حُذَيفَةُ ، فَصَدَّقَ حُذَيفَةَ ولَم يَصَدِّقِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله ، فَهذا عَلى غَيرِ الإِسلامِ ، وإن كانَ قَد صَدَّقَ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَلِمَ سَأَلَ حُذَيفَةَ ؟ وهذانِ الخَبَرانِ مُتَناقِضانِ في أنفُسِهِما .
قالَ الآخَرُ : فَقَد قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : وُضِعتُ في كِفَّةِ الميزانِ ووُضَعَت اُمَّتي في كِفَّةٍ اُخرى ، فَرَجَحتُ بِهِم ، ثُمَّ وُضِعَ مَكاني أبو بَكرٍ فَرَجَحَ بِهِم ، ثُمَّ عُمَرُ فَرَجَحَ بِهِم ، ثُمَّ رُفِعَ الميزانُ .
فَقالَ المَأمونُ : هذا مَحالٌ ؛ مِن قِبَلِ أنَّهُ لا يَخلو مِن أن يَكونَ أجسامَهُما أو أعمالَهُما ؛ فَإِن كانَتِ الأَجسامَ فَلا يَخفى عَلى ذي روحٍ أنَّهُ مَحالٌ ؛ لِأَ نَّهُ لا يَرجَحُ أجسامُهُما بِأَجسامِ الاُمَّةِ ، وإن كانَت أفعالَهُما فَلَم تَكُن بَعدُ ، فَكَيفَ تَرجَحُ بِما لَيسَ ؟
فَأَخبِروني بِما ۲ يَتَفاضَلُ النّاسُ ؟ فَقالَ بَعضُهُم : بِالأَعمالِ الصّالِحَةِ .
قالَ : فَأَخبِروني فَمَن ۳ فَضَلَ صاحِبَهُ عَلى عَهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ إنَّ المَفضولَ عَمِلَ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِأَكثَرَ مِن عَمَلِ الفاضِلِ عَلى عَهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله أ يَلحَقُ بِهِ ؟ فَإِن قُلتُم : نَعَم ، أوجَدتُكُم في عَصرِنا هذا مَن هُوَ أكثَرُ جِهادا وحَجّا وصَوماً وصَلاةً وصَدَقَةً مِن أحَدِهِم .