جَسَدَهُ ، ويُشِمُّني عَرفَهُ ۱ . وكانَ يَمضَغُ الشَّيءَ ثُمَّ يُلقِمُنيهِ . وما وَجَدَ لي كَذبَةً في قَولٍ ، ولا خَطلَةً في فِعلٍ . ولَقَد قَرَنَ اللّهُ بِهِ صلى الله عليه و آله مِن لَدُن أن كانَ فَطيما أعظَمَ مَلَكٍ مِن مَلائِكَتِهِ يَسلُكُ بِهِ طَريقَ المَكارمِ ، ومَحاسِنَ أخلاقِ العالَمِ ، لَيلَهُ ونَهارَهُ . ولَقَد كُنتُ أتَّبِعُهُ اتِّباعَ الفَصيلِ أثَرَ اُمِّهِ ، يَرفَعُ لي في كُلِّ يَومٍ مِن أخلاقِهِ عَلَما ، ويَأمُرُني بِالاِقتِداءِ بِهِ . ولَقَد كانَ يُجاوِرُ في كُلِّ سَنَةٍ بِحِراءَ فَأَراهُ ، ولا يَراهُ غَيري . ولَم يَجمَع بَيتٌ واحِدٌ يَومَئِذٍ فِي الإِسلامِ غَيرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وخَديجَةَ وأنَا ثالِثُهُما . أرى نورَ الوَحي وَالرِّسالَةِ ، وأشُمُّ ريحَ النُّبُوَّةِ .
ولَقَد سَمِعتُ رَنَّةَ الشَّيطانِ حينَ نَزَلَ الوَحيُ عَلَيهِ صلى الله عليه و آله فَقُلتُ : يا رَسولَ اللّهِ ، ما هذِهِ الرَّنَّةُ ؟ فَقالَ : هذَا الشَّيطانُ قَد أيِسَ مِن عِبادَتِهِ . إنَّكَ تَسمَعُ ما أسمَعُ ، وتَرى ما أرى ، إلّا أنَّكَ لَستَ بِنَبِيٍّ ، ولكِنَّكَ لَوَزيرٌ وإنَّكَ لَعَلى خَيرٍ» ۲ .
وقال ابن أبي الحديد ـ في بيان قوله عليه السلام : «إنّي وُلِدتُ عَلَى الفِطرَةِ» ـ : «ومُرادُهُ هاهُنا بِالوِلادَةِ عَلَى الفِطرَةِ أنَّهُ لَم يولَد فِي الجاهِلِيَّةِ ؛ لِأَ نَّهُ وُلِدَ عليه السلام لِثَلاثينَ عاما مَضَت مِن عامِ الفيلِ ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اُرسِلَ لِأَربَعينَ سَنَةً مَضَت مِن عامِ الفيلِ .
وقَد جاءَ فِي الأَخبارِ الصَّحيحَةِ أنَّهُ صلى الله عليه و آله مَكَثَ قَبلَ الرِّسالَةِ سِنينَ عَشرا يَسمَعُ الصَّوتَ ويَرَى الضَّوءَ ، ولا يُخاطِبُهُ أحَدٌ ، وكانَ ذلِكَ إرهاصا لِرِسالَتِهِ عليه السلام ، فَحُكمُ تِلكَ السِّنينَ العَشرِ حُكمُ أيّامِ رِسالَتِهِ صلى الله عليه و آله ، فَالمَولودُ فيها إذا كانَ في حِجرِهِ وهُوَ المُتَوَلّي لِتَربِيَتِهِ مَولودٌ في أيّامٍ كَأَيّامِ النُّبُوَّةِ ، ولَيسَ بِمَولودٍ في جاهِلِيَّةٍ مَحضَةٍ ، فَفارَقَت حالُهُ حالَ مَن يُدّعى لَهُ مِنَ الصَّحابَةِ مُماثَلَتُهُ فِي الفَضلِ .