يبتدئ في أوّل أمره بما انتهى إليه عثمان في آخره ، فأفضى إلى خلعه وقتله ؟ ! ولو كان ذلك في حكم الشريعة سائغا والوزر فيه مأمونا لكان غلطا قبيحا في السياسة ، وسببا قويّا للعصيان والمخالفة ، ولم يكن يمكنه عليه السلام أن يقول للمسلمين : إنّ حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور لي ، وإنّ قصدي بإقراره على الولاية مخادعته وتعجيل طاعته ومبايعة الأجناد الذين قِبله ، ثمّ أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقّه من العزل ، وأعمل فيه بموجب العدل ؛ لأنّ إظهاره عليه السلام لهذا العزم كان يتّصل خبره بمعاوية ، فيفسد التدبير الذي شرع فيه ، وينتقض الرأي الذي عوّل عليه ۱ .
۳ ـ إبقاء معاوية يتعارض مع المباني السياسيّة للإمام
قدّم ابن سنان ردّا آخر على الطعن بسياسته في عزل معاوية ، وفيه إشارة إلى مبانيه السياسيّة في الحكم ۲ ، ويسمّيه جوابا حقيقيّا ويقول فيه : واعلم أنّ حقيقة الجواب هو أنّ عليّا عليه السلام كان لا يرى مخالفة الشرع لأجل السياسة ، سواء أكانت تلك السياسة دينيّة أو دنيويّة ؛ أمّا الدنيويّة فنحو أن يتوهّم الإمام في إنسان أنّه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقينا ؛ فإنّ عليّا عليه السلام لم يكن يستحلّ قتله ولا حبسه ، ولا يعمل بالتوهّم وبالقول غير المحقّق . وأمّا الدينيّة فنحو ضرب المتّهم بالسرقة ؛ فإنّه أيضا لم يكن يعمل به ، بل يقول : إن يثبت عليه بإقرار أو بيّنة أقمتُ عليه الحدّ ، وإلّا لم أعترضه .
وغير عليّ عليه السلام قد كان منهم من يرى خلاف هذا الرأي ، ومذهب مالك بن أنس العمل على المصالح المرسلة ، وأنّه يجوز للإمام أن يقتل ثلث الاُمّة لإصلاح الثلثين ، ومذهب أكثر الناس أنّه يجوز العمل بالرأي وبغالب الظنّ ، وإذا كان