ثُمَّ أدرَكَت عَلِيّا عليه السلام رِقَّةٌ عَلى وَلَدِهِ ، فَتَناوَلَ الرّايَةَ مِنهُ بِيَدِه اليُسرى وذُو الفِقارِ مَشهورٌ في يُمنى يَدَيهِ ، ثُمَّ حَمَلَ فَغاصَ في عَسكَرِ الجَمَلِ ، ثمّ رَجَعَ وقَدِ انحَنى سَيفُهُ ، فَأَقامَهُ بِرُكبَتِهِ . فَقالَ لَهُ أصحابُهُ وبَنوهُ وَالأَشتَرُ وعَمّارٌ : نَحنُ نَكفيكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! فَلم يُجِب أحَدا مِنهُم ، ولا رَدَّ إلَيهِم بَصَرَهُ ، وظَلَّ يَنحِطُ ۱ ويَزأَرُ زَئيرَ الأَسَدِ ، حَتّى فَرِقَ مَن حَولَهُ ، وتَبادَروهُ ، وإنَّهُ لَطامِحٌ بِبَصَرِهِ نَحوَ عَسكَرِ البَصرَةِ ، لا يُبصِرُ مَن حَولَهُ ، ولا يَرُدُّ حِوارا .
ثُمَّ دفَعَ الرّايَةَ إلَى ابنِهِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ حَمَلَ حَملَةً ثانِيَةً وَحدَهُ ، فَدَخَلَ وَسَطَهُم فَضَرَبَهُم بِالسَّيفِ قُدُما قُدُما ، وَالرِّجالُ تَفِرُّ مِن بَينِ يَدَيهِ ، وتَنحازُ عَنهُ يُمنَةً ويَسرَةً ، حَتّى خَضَبَ الأَرضَ بِدِماءِ القَتلى ، ثُمَّ رَجَعَ وقَدِ انحَنى سَيفُهُ ، فَأقامَهُ بِرَكبَتِهِ ، فَاعصَوصَبَ ۲ بِهِ أصحابُهُ ، وناشَدوهُ اللّهَ في نَفسِهِ وفِي الإِسلام ، وقالوا : إنَّكَ إن تُصَب يَذهبِ الدّينُ ! فَأَمسِك ونَحنُ نَكفيكَ .
فَقالَ : وَاللّهِ ، ما اُريدُ بِما تَرَونَ إلّا وَجهَ اللّهِ وَالدّارَ الآخِرَةَ . ثُمَّ قالَ لِمُحَمَّدٍ ابنِهِ : هكَذا تَصنَعُ يَابنَ الحَنَفِيَّةِ . فَقالَ النّاسُ : مَنِ الَّذي يَستَطيعُ ما تَستَطيعُهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ! ! ۳
۲۲۳۶.المصنّف عن الأعمش عن رجل قد سمّاه :كُنتُ أرى عَلِيّا يَحمِلُ فَيَضرِبُ بِسَيفِهِ حَتّى يَنثَنِيَ ، ثُمَّ يَرجِعُ فَيقولُ : لا تَلوموني ولوموا هذا . ثُمَّ يَعودُ فَيُقَوِّمُهُ ۴ .
۲۲۳۷.شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف :خَرَجَ عَبدُ اللّهِ بنُ خَلَفٍ الخُزاعِيُّ ـ وهُوَ رَئيسُ البَصرَةِ ، وأكثَرُ أهلِها مالاً وضِياعا ـ فَطَلَبَ البِرازَ ، وسَأَلَ ألّا يَخرُجَ إلَيه
1.النحْط : شبه الزَّفير (لسان العرب : ج۷ ص۴۱۲) .
2.اعصَوْصبوا : اجتمعوا وصاروا عِصابةً واحدة (النهاية : ج۳ ص۲۴۶) .
3.شرح نهج البلاغة : ج۱ ص۲۵۷ وراجع الفتوح : ج۲ ص۴۷۳ .
4.المصنّف لابن أبي شيبة : ج۸ ص۷۰۶ ح۲ ، العقد الفريد : ج۳ ص۳۲۴ .