149
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث

أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ هذِهِ فِتنَةٌ عَمياءُ صَمّاءُ تَطَأُ خِطامَها ۱ ، النّائِمُ فيها خَيرٌ مِنَ القاعِدِ ، وَالقاعِدُ فيها خَيرٌ مِنَ القائِمِ ، وَالقائِمُ فيها خَيرٌ مِنَ الماشي ، وَالماشي فيها خَيرٌ مِنَ السّاعي ، وَالسّاعي فيها خَيرٌ مِنَ الرّاكِبِ . إنَّها فِتنَةٌ باقِرَةٌ كَداءِ البَطنِ ، أتَتكُم مِن قِبَلِ مَأمَنِكُم ، تَدَعُ الحَليمَ فيها حَيرانَ كَابنِ أمسِ . إنّا مَعاشِرَ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أعلَمُ بِالفِتنَةِ ؛ إنَّها إذا أقبَلَت شَبَّهَت ، وإذا أدبَرَت أسفَرَت .
وعَمّارٌ يُخاطِبُهُ ، وَالحَسَنُ يَقولُ لَهُ : اِعتَزِل عَمَلَنا لا اُمَّ لَكَ ! وتَنَحَّ عَن مِنبَرِنا . وقالَ لَهُ عَمّارٌ : أنتَ سَمِعتَ هذا مِن رَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ أبو موسى : هذِهِ يَدي بِما قُلتُ .
فَقالَ لَهُ عَمّارٌ : إنَّما قالَ لَكَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله هذا خاصَّةً ، فَقالَ : «أنتَ فيها قاعِدا خَيرٌ مِنكَ قائِما» . ثُمَّ قالَ عَمّارٌ : غَلَبَ اللّهُ مَن غالَبَهُ وجاحَدَهُ .
قالَ نَصرُ بنُ مُزاحِمٍ : حَدَّثَنا عُمَرُ بنُ سَعيدٍ قالَ : حَدَّثَني رَجُلٌ عَن نُعَيمٍ عن أبي مَريمَ الثَّقَفِيِّ قالَ : وَاللّهِ إنّي لَفِي المَسجِدِ يَومَئِذٍ وعَمّارٌ يُخاطِبُ أبا موسى ويَقولُ لَهُ ذلِكَ القَولَ ، إذ خَرَجَ عَلَينا غِلمانٌ لِأَبي موسى يَشَتَدّونَ يُنادونَ : يا أبا موسى ! هذَا الأَشتَرُ قَد دَخَلَ القَصرَ فَضَرَبَنا وأخرَجَنا .
فَنَزَلَ أبو موسى ، فَدَخَلَ القَصرَ ، فَصاحَ بِهِ الأَشتَرُ : اُخرُج مِن قَصرِنا لا اُمَّ لَكَ !أخرَجَ اللّهُ نَفسَكَ ! فَوَاللّهِ إنَّكَ لَمِنَ المُنافِقينَ قَديما . قالَ : أجِّلني هذِهِ العَشِيَّةَ . فَقالَ : هِيَ لَكَ ، ولا تَبيتَنَّ فِي القَصرِ اللَّيلَةَ .
ودَخَلَ النّاسُ يَنتَهِبونَ مَتاعَ أبي موسى ، فَمَنَعَهُمُ الأَشتَرُ وأخرَجَهُم مِنَ القَصرِ ، وقالَ : إنّي قَد أخرَجتُهُ . فَكَفَّ النّاسَ عَنهُ ۲ .

1.الخِطام : الحبل الذي يُقاد به البعير (النهاية : ج۲ ص۵۱) . وقال المجلسي قدس سره : الوط ء في الخطام ، كناية عن فقد القائد ، وإذا خلت الناقة من القائد تعثر وتخبط وتفسد ما تمرّ عليه بقوائمها (بحار الأنوار : ج۶۹ ص۲۳۴) .

2.تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۸۶ ؛ الجمل : ص۲۵۱ نحوه وراجع تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۸۲ والكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۲۹ وشرح نهج البلاغة : ج۱۴ ص۲۱ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
148

بحزم لحركة الناكثين ، إلّا أنّ تثبيط أبي موسى لأهالي الكوفة حال دون نهوضهم لنصرته . وكان مالك الأشتر قادرا على حلّ هذه العقدة ؛ إذ إنّه هو الذي اقترح على أمير المؤمنين عليه السلام إبقاءه في منصبه على ولاية الكوفة بعد أن كان الإمام قد هَمّ بعزله فيمن عزله من ولاة عثمان .
وتصرّح بعض الوثائق التاريخيّة بأنّ الإمام قال له : «أنتَ شَفَعتَ في أبي موسى أن اُقِرَّهُ عَلَى الكوفَةِ ؛ فَاذهَب فَأَصلِح ما أفسَدتَ» ۱ ، بيد أنّ الرواية التي أوردها نصر بن مزاحم تفيد أنّ الأشتر هو الذي عرض على الإمام فكرة المسير إلى الكوفة لمعالجة ما أفسده الأشعرى .

۲۱۵۵.تاريخ الطبري عن نصر بن مزاحم :قَد كانَ الأَشتَرُ قامَ إلى عَلِيٍّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، إنّي قَد بَعَثتُ إلى أهلِ الكوفَةِ رَجُلاً قَبلَ هذَينِ ، فَلَم أرَهُ أحكَمَ شَيئا ولا قَدَرَ عَلَيهِ ، وهذانِ أخلَقُ مَن بَعثتُ أن يُنشَبَ ۲ بِهِمُ الأَمرُ عَلى ما تُحِبُّ ، ولَستُ أدري ما يَكونُ ؛ فَإِن رَأَيتَ ـ أكرَمَكَ اللّهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ ـ أن تَبعَثَني في أثَرِهِم ؛ فَإِنَّ أهلَ المِصرِ أحسَنُ شَيءٍ لي طاعَةً ، وإن قَدِمتُ عَلَيهِم رَجَوتُ ألّا يُخالِفَني مِنهُم أحَدٌ . فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : اِلحَق بِهِم .
فَأَقبَلَ الأَشتَرُ حَتّى دَخَلَ الكوفَةَ وقَدِ اجتَمَعَ النّاسُ فِي المَسجِدِ الأَعظَمِ ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِقَبيلَةٍ يَرى فيها جَماعَةً في مَجلِسٍ أو مَسجِدٍ إلّا دَعاهُم ويَقولُ : اِتَّبِعوني إلَى القَصرِ ، فَانتَهى إلَى القَصرِ في جَماعَةٍ مِنَ النّاسِ ، فَاقتَحَمَ القَصرَ ، فَدَخَلَهُ وأبو موسى قائِمٌ فِي المَسجِدِ يَخطُبُ النّاسَ ويُثَبِّطُهُم ؛ يَقولُ :

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۴ ص۲۰ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۸۲ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۲۳۶ كلاهما نحوه .

2.أي يستقيم ويستحكم ؛ من قولهم : نشِب الشيءُ في الشيء كما ينشُب الصيد في الحبالة ، والنُّشبة من الرجال : الذي إذا نشب بشيء لم يكد يفارقه (لسان العرب : ج۱ ص۷۵۷) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 25449
صفحه از 670
پرینت  ارسال به