المدخل
تسلّم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مقاليد الخلافة بعد انثيال الناس عليه ، وإقبالهم المنقطع النظير ، وإصرارهم المتواصل . وبيّن سياسته في الحكم بصراحة في أوّل خطبة حماسيّة جليلة له ، وذكر فيها أنّه لن يطيق الامتيازات التي لا أساس لها في الإسلام ، وأنّه سوف يُحدث تغييرا جذريّا في المجتمع ، ويقضي على التفاضل والتمايز الموهوم في كافّة زوايا المجتمع ؛ لأنّ ذلك كلّه من سِمات الجاهليّة التي عادت إلى الناس كهيئتها قبل البعثة النبويّة الشريفة ۱ .
ومن الواضح أنّ الكثيرين لم يتحمّلوا تلك المساواة ، وامتعضوا من فقدانهم منزلتهم وامتيازاتهم ، ولم يهدأ اُولئك الذين عكّروا الماء عند هجومهم على عثمان ليصطادوا لهم منصبا . ولم يُطِق هذه السياسة الثوريّة العاصفة الوصوليّون النفعيّون الذين تسلّطوا على الاُمّة بلا سابقة ولا شرف باذخ ، وفعلوا ما شاؤوا ، غير مبالين بالحكومة المركزيّة .
ولهذا لم تكَد تمضي أيّام قلائل على حكومة الإمام صلوات اللّه عليه حتى بدأت المواجهات ، وتكشّفت الذرائع والحجج الواهية التي اتّصلت فصبغت السنوات الخمس ـ التي هي مدّة حكم الإمام عليه السلام ـ بصِبغة الحروب والدماء .
وكانت تلك المواجهات عسيرة ثقيلة إذا ما نظرنا إلى جذورها ، وكيفيّة تبلور الكيان الذي كان عليه مُوقدوها ، لاسيما أصحاب الجمل والنهروان ، وأصحر الإمام عليه السلام بذلك مرارا ، فقال : «لَو لَم أكُ فيكُم ما قوتِلَ أصحابُ الجَمَلِ وأهل