بَحثٌ حَولَ التَّحكيمِ
إنّ قضيّة التحكيم في معركة صفّين تُعدّ واحدة من أكثر الوقائع الباعثة على الأسف والأسى في عهد حكومة الإمام عليّ عليه السلام ؛ حيث جاءت هذه الحادثة المريرة في وقت شارَفَ فيه جيش الإمام على إحراز النصر النهائي ، فحالَ قبول التحكيم دون تحقيق ذلك الانتصار الساحق ، وليس هذا فحسب ، بل إنّه أفضى أيضا إلى وقوع خلافات في جيشه عليه السلام وانهماكه في صراعات مع كوكبة واسعة من خيرة مقاتليه . ولغرض تسليط الأضواء على هذا الموضوع لابدّ أوّلاً من مناقشة عدّة اُمور :
۱ ـ سبب قبول التحكيم
السؤال الأوّل الذي يتبادر إلى الأذهان هو : لماذا وافق الإمام على فكرة التحكيم ؟ فهل إنّه كان في شكّ من أمره ومواقفه ؟ بل ما معنى التحكيم بين الحقّ والباطل ؟ أوَلم تكن الحكمة والسياسة تقضيان أن يقاوم الإمام ضغوط رهْط من جيشه ، ولا ينصاع لفكرة التحكيم ؟
وفي معرض الإجابة عن هذه التساؤلات نقول : بلى ، إنّ مقتضى الحكمة والسياسة ألّا يقبل الإمام بالتحكيم ، إلّا أنّه عليه السلام ـ كما تفيد الوثائق التاريخيّة القطعيّة ـ لم يقبل التحكيم بإرادته وإنّما فُرض عليه فرضا ، ولم تكن مقاومته أمام ذلك الرأى ¨