أهلَ الشّامِ يَحُضّونَ مُعاوِيَةَ عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثمانَ ، فَقالَ عَمرُو بنُ العاصِ : أنتُم عَلَى الحَقِّ ، اطلُبوا بِدَمِ الخَليفَةِ المَظلومِ . ومُعاوِيَةُ لا يَلتَفِتُ إلى قَولِ عَمرٍو ۱ .
۲۴۰۸.تاريخ اليعقوبيـ في ذِكرِ قُدومِ عَمرِو بنِ العاصِ عَلى مُعاوِيَةَ وبَيعَتِهِ لَهُ ـ: فَقَدِمَ عَلى مُعاوِيَةَ ، فَذاكَرَهُ أمرَهُ ، فَقالَ لَهُ : أمّا عَلِيٌّ ، فَوَاللّهِ ، لا تُساوِي العَرَبُ بَينَكَ وبَينَهُ في شَيءٍ مِنَ الأَشياءِ ، وإنَّ لَهُ فِي الحَربِ لَحَظّا ما هُوَ لِأَحَدٍ مِن قُرَيشٍ إلّا أن تَظلِمَهُ .
قالَ : صَدَقتَ ، ولكِنّا نُقاتِلُهُ عَلى ما في أيدينا ، ونُلزِمُهُ قَتلَ عُثمانَ .
قالَ عَمرٌو : واسَوءَتاه ! إنَّ أحَقَّ النّاسِ ألّا يَذكُرَ عُثمانَ لَأَنا ولَأَنتَ ۲ .
قالَ : ولِمَ وَيحَكَ ؟
قالَ : أمّا أنتَ فَخَذَلتَهُ ومَعَكَ أهلُ الشّامِ حَتَّى استَغاثَ بِيَزيدَ بنِ أسَدٍ البَجَلِيِّ ، فَسارَ إلَيهِ ؛ وأمّا أنَا فَتَرَكتُهُ عِيانا ، وهَرَبتُ إلى فِلَسطينَ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : دَعني مِن هذا مُدَّ يَدَكَ فَبايِعني !
قالَ : لا ، لَعَمرُ اللّهِ ، لا اُعطيكَ ديني حَتّى آخُذَ مِن دُنياكَ .
قالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : لَكَ مِصرُ طُعمَةً ، فَغَضِبَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ ، وقالَ : ما لي لا اُستَشارُ ؟
فَقالَ مُعاوِيَةُ : اُسكُت ، فَإِنَّما يُستَشارُ بِكَ .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : يا أبا عَبدِ اللّهِ ، بِت عِندَنَا اللَّيلَةَ . وكَرِهَ أن يُفسِدَ عَلَيهِ النّاسَ ، فَباتَ عَمرٌو ، وهُوَ يَقولُ :
مُعاوِيَ لا اُعطيكَ ديني ، ولَم أنَل
بِهِ مِنكَ دُنيا ، فَانظُرَن كَيفَ تَصنَعُ
فَإِن تُعطِني مِصرا فَأَربِح بِصَفقَةٍ
أخذتَ بِها شَيخا يَضُرُّ ويَنفَعُ
وَمَا الدّينُ وَالدُّنيا سَواءً ، وإنَّني
لَاخُذُ ما اُعطى ، ورَأسي مُقَنَّعُ
ولكِنَّني اُعطيكَ هذا ، وإنَّني
لَأَخدَعُ نَفسي ، وَالمُخادِعُ يُخدَعُ
أ اُعطيكَ أمرا فيهِ لِلمُلكِ قُوَّةٌ
وأبقى لَهُ ، إن زَلَّتِ النَّعلُ اُصرَعُ ؟
وتَمنَعُني مِصرا ، ولَيسَت بِرَغبَةٍ
وإنَّ ثَرَى القَنُوعِ يَوما لَمُولَعُ ۳
فَكَتَبَ لَهُ بِمِصرَ شَرطا ، وأشهَدَ لَهُ شُهودا ، وخَتَمَ الشَّرطَ ، وبايَعَهُ عَمرٌو ، وتَعاهَدا عَلَى الوَفاءِ ۴ .
1.تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۶۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۵۸ .
2.في المصدر : «لا أنا ولا أنت» ، والتصويب من طبعة النجف : ج۲ ص۱۶۲ .
3.كذا في المصدر ، وفي الشطر الأخير اضطراب ، وقد ذكر الأبيات في شرح نهج البلاغة : ج۲ ص۶۶ وروى الشطر الأخير كما يلي : «وإنّي بِذَا الممنوعِ قِدماً لَمولَعُ» .
4.تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۸۶ وراجع وقعة صفّين : ص۳۸ وتاريخ دمشق : ج۴۶ ص۱۷۰ والعقد الفريد : ج۳ ص۳۳۹ .