371
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث

ذَكَرتَ حَقَّ ابنِ أبي طالِبٍ ، وقَديمَ سَوابِقِهِ وقَرابَتَهُ مِن نَبِيِّ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ ، ونُصرَتَهُ لَهُ ، ومُواساتَهُ إيّاهُ في كُلِّ خَوفٍ وهَولٍ ، وَاحتِجاجَكَ عَلَيَّ بِفَضلِ غَيرِكَ لا بِفَضلِكَ . فَأَحمَدُ إلها صَرَفَ الفَضلَ عَنكَ ، وجَعَلَهُ لِغَيرِكَ .
وقَد كُنّا وأبوكَ مَعَنا في حَياةٍ مِن نَبِيِّنا صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ نَرى حَقَّ ابنِ أبي طالِبٍ لازِما لَنا ، وفَضلَهُ مُبَرِّزا عَلَينا ، فَلَمَّا اختارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ ما عِندَهُ ، وأتَمَّ لَهُ ما وَعَدَهُ ، وأظهَرَ دَعوَتَهُ ، وأفلَجَ حُجَّتَهُ . قَبَضَهُ اللّهُ إلَيهِ ، فَكانَ أبوكَ وفاروقُهُ أوَّلَ مَنِ ابتَزَّهُ وخالَفَهُ ؛ عَلى ذلِكَ اتَّفَقا وَاتَّسَقا ، ثُمَّ دَعَواهُ إلى أنفُسِهِم ؛ فَأَبطَأَ عَنهُما ، وتَلَكَّأَ عَلَيهِما ؛ فَهَمّا بِهِ الهُمومَ ، وأرادا بِهِ العَظيمَ ؛ فَبايَعَ وسَلَّمَ لَهُما ؛ لا يُشرِكانِهِ في أمرِهِما ، ولا يُطلِعانِهِ عَلى سِرِّهِما ، حَتّى قُبِضا وَانقَضى أمرُهُما .
ثُمَّ قامَ بَعدَهُما ثالِثُهُما عُثمانُ بنُ عَفّانَ ، يَهتَدي بِهَديِهِما ، ويَسيرُ بِسيرَتِهِما ، فَعِبتَهُ أنتَ وصاحِبُكَ ، حَتّى طَمِعَ فيهِ الأَقاصي مِن أهلِ المَعاصي ، وبَطَنتُما لَهُ وأظهَرتُما ، وكَشَفتُما عَداوَتَكُما وغِلَّكُما ، حَتّى بَلَغتُما مِنهُ مُناكُما .
فَخُذْ حِذرَكَ يَابنَ أبي بَكرٍ ! فَسَتَرى وَبالَ أمرِكَ . وقِس شِبرَكَ بِفِترِكَ ۱ تَقصُر عَن أن تُساوِيَ أو تُوازِيَ مَن يَزِنُ الجِبالَ حِلمُهُ ، ولا تَلينُ عَلى قَسرٍ قَناتُهُ ، ولا يُدرِكُ ذو مَدىً أناتَهُ . أبوك مَهَّدَ مِهادَهُ ، وبَنى مُلكَهُ وشادَهُ ، فَإِن يَكُن ما نَحنُ فيهِ صَوابا فَأَبوكَ أوَّلُهُ ، وإن يَكُ جَورا فَأَبوكَ أسَسُهُ . ونَحنُ شُرَكاؤُهُ ، وبِهَديِهِ أخَذنا ، وبِفِعلِهِ اقتَدَينا . ولَولا ما سَبَقَنا إلَيهِ أبوكَ ما خالَفنَا ابنَ أبي طالِبٍ وأسلَمنا لَهُ ، ولكِنّا رَأَينا أباكَ فَعَلَ ذلِكَ فَاحتَذَينا بِمِثالِهِ ، وَاقتَدَينا بِفِعالِهِ . فَعِب أباكَ ما بَدا لَكَ أو دَع ، وَالسَّلامُ عَلى مَن أنابَ ، ورَجَعَ عَن غَوايَتِهِ وتابَ ۲ .

1.الفِتْر : مابين طرف الإبهام وطرف المشيرة (لسان العرب : ج۵ ص۴۴) .

2.وقعة صفّين : ص۱۱۹ ، الاحتجاج : ج۱ ص۴۳۶ ح۹۸ ، الاختصاص : ص۱۲۶ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج۳ ص۵۷۹ ح۷۲۴ ؛ شرح نهج البلاغة : ج۳ ص۱۸۹ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
370

وَالشّاهِدُ لِعَلِيٍّ ـ مَعَ فَضلِهِ المُبينِ ، وسَبقِهِ القَديمِ ـ أنصارُهُ الَّذينَ ذُكِروا بِفَضلِهِم فِي القُرآنِ ، فَأَثنَى اللّهُ عَلَيهِم ، مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، فَهُم مَعهُ عَصائِبُ وكَتائِبُ حَولَهُ ، يُجالِدونَ بِأَسيافِهِم ، ويُهَريقونَ دِماءَهُم دونَهُ ، يَرَونَ الفَضلَ فِي اتِّباعِهِ ، وَالشَّقاءَ في خِلافِهِ .
فَكَيفَ ـ يا لَكَ الوَيلُ ! ! ـ تَعدِلُ نَفسَكَ بِعَلِيٍّ ، وهُوَ وارِثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ووَصِيُّهُ ، وأبو وَلَدِهِ ، وأوَّلُ النّاسِ لَهُ اتِّباعا ، وآخِرُهُم بِهِ عَهدا ، يُخبِرُهُ بِسِرِّهِ ، ويُشرِكُهُ في أمرِهِ ، وأنتَ عَدُّوُهُ وَابنُ عَدُوِّهِ ؟ ! فَتَمَتَّع مَا استَطَعتَ بِباطِلِكَ ، وَليُمدِد لَكَ ابنُ العاصِ في غَوايَتِكَ ، فَكَأَنَّ أجَلَكَ قَدِ انقَضى ، وكَيدَكَ قَد وَهى . وسَوفَ يَستَبينُ لِمَن تَكونُ العاقِبَةُ العُليا .
وَ اعلَم أنَّكَ إنَّما تُكايِدُ رَبَّكَ الَّذي قَد أمِنتَ كَيدَهُ ، وأيِستَ مِن رَوحِهِ ۱ . وهُوَ لَكَ بِالمِرصادِ ، وأنتَ مِنهُ في غُرورٍ ، وبِاللّهِ وأهلِ رَسولِهِ عَنكَ الغَناءُ ، وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الهُدى ۲ .

۴ / ۱۸

جَوابُ مُعاوِيَةَ عَنهُ

۲۴۰۴.وقعة صفّين عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر :فَكَتَبَ إلَيهِ مُعاوِيَةُ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . مِن مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ إلَى الزّاري عَلى أبيهِ مُحَمَّدِ ابنِ أبي بَكرٍ . سَلامٌ عَلى أهلِ طاعَةِ اللّهِ .
أمّا بَعدُ ؛ فَقَد أتاني كِتابُكَ ، تَذكُرُ فيهِ مَا اللّهُ أهلُهُ في قُدرَتِهِ وسُلطانِهِ ، وما أصفى بِهِ نَبِيَّهُ ، مَعَ كَلامٍ ألَّفتَهُ ووَضَعتَهُ ، لِرَأيِكَ فيهِ تَضعيفٌ ، ولِأَبيكَ فيهِ تَعنيفٌ .

1.رَوْح اللّه : رحمته (لسان العرب : ج۲ ص۴۵۹) .

2.وقعة صفّين : ص۱۱۸ ، الاحتجاج : ج۱ ص۴۳۴ ح۹۷ ، الاختصاص : ص۱۲۴ كلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج۳۳ ص۵۷۵ ح۷۲۳ ؛ شرح نهج البلاغة : ج۳ ص۱۸۸ نحوه .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 25251
صفحه از 670
پرینت  ارسال به