تَكَلَّمَ ـ فَقالَ عليه السلام : الحِلمُ زَينٌ ، وَالتَّقوى دينٌ ، وَالحُجَّةُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ، وَالطَّريقُ الصِّراطُ .
أيُّهَا النّاسُ ، رَحِمَكُمُ اللّهُ ، شُقّوا مُتَلاطِماتِ أمواجِ الفِتَنِ بِحَيازيمِ ۱ سُفُنِ النَّجاةِ ، وعَرِّجوا عَن سَبيلِ المُنافَرَةِ ، وحُطّوا تيجانَ المُفاخَرَةِ . أفلَحَ مَن نَهَضَ بِجَناحٍ ، أوِ استَسلَمَ فَأَراحَ . ماءٌ آجِنٌ ۲ ، ولُقمَةٌ يَغَصُّ بِها آكِلُها ، ومُجتَنِي الثَّمَرَةِ في غَيرِ وَقتِها كَالزّارِعِ في غَيرِ أرضِهِ ، وَاللّهِ لَو أقولُ لَتَداخَلَت أضلاعٌ كَتَداخُلِ أسنانِ دَوّارَةِ الرّاحي ، وإن أسكُت يَقولوا : جَزَعَ ابنُ أبي طالِبٍ مِنَ المَوتِ . هَيهاتَ ! بَعدَ اللَّتَيّا وَالَّتي ، وَاللّهِ لَعَلِيٌّ آنَسُ بِالمَوتِ مِنَ الطِّفلِ بِثَديِ اُمِّهِ ، لكِنِّي اندَمَجتُ عَلى مَكنونِ عِلمٍ لَو بُحتُ بِهِ لَاضطَرَبتُمُ اضطِرابَ الأَرشِيَةِ ۳ فِي الطَّوِيِّ ۴ البَعيدَةِ .
ثُمَّ نَهَضَ عليه السلام . فَقالَ أبو سُفيانَ : لِشَيءٍ ما فارَقَنَا ابنُ أبي طالِبٍ ! ۵
۹۸۲.العقد الفريد عن مالك بن دينار :تُوُفِّيَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وأبو سُفيانَ غائِبٌ في مَسعاةٍ أخرَجَهُ فيها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَلَمَّا انصَرَفَ لَقِيَ رَجُلاً في بَعضِ طَريقِهِ مُقبِلاً مِنَ المَدينَةِ ، فَقالَ لَهُ : ماتَ مُحَمَّدٌ ؟ قالَ :نَعَم . قالَ : فَمَن قامَ مَقامَهُ ؟ قالَ : أبو بَكرٍ . قالَ أبو سُفيانَ : فَما فَعَلَ المُستَضعَفانِ ؛ عَلِيٌّ وَالعَبّاسُ ؟ ! قالَ : جالِسَينِ . قالَ : أما وَاللّهِ ، لَئِن بَقيتُ لَهُما لَأَرفَعَنَّ مِن أعقابِهِما . ثُمَّ قالَ : إنّي أرى غيرَةً لا يُطفِئُها إلّا دَمٌ .
فَلَمّا قَدِمَ المَدينَةَ جَعَلَ يَطوفُ في أزِقَّتِها ويَقولُ :
بَني هاشِمٍ لا تَطمَعِ النّاسُ فيكُمُ
ولا سيِّما تَيمُ بنُ مُرَّةَ أو عَدِيٌّ
فَمَا الأَمرُ إلّا فيكُمُ وإلَيكُمُ
ولَيسَ لَها إلّا أبو حَسَنٍ عَلِيٌّ
فَقالَ عُمَرُ لِأَبي بَكرٍ : إنَّ هذا قَد قَدِمَ ، وهُوَ فاعِلٌ شَرّا ، وقَد كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَستَألِفُهُ عَلَى الإِسلامِ ، فَدَع لَهُ ما بِيَدِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ . فَفَعَلَ ، فَرَضِيَ أبو سُفيانَ ، وبايَعَهُ ۶ .
1.الحيازيم : جمع الحيزوم ، وهو الصدر وقيل وسطه (النهاية : ج۱ ص۴۶۷) .
2.الآجن : الماء المتغيّر الطعم واللون (النهاية : ج۱ ص۲۶) .
3.الرشاء : الحبل الَّذي يتوصّل به إلى الماء ، وجمعه أرشية (مجمع البحرين : ج۲ ص۷۰۳) .
4.الطَّوِيّ : البئر المطويّة بالحجارة (لسان العرب : ج۱۵ ص۱۹) .
5.نزهة الناظر : ص۵۵ ح۳۹ ، نهج البلاغة : الخطبة ۵ وفي صدرها «ومن خطبة له عليه السلام لمّا قبض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخاطبه العبّاس وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة» ؛ مطالب السؤول : ص۵۸ وفيهما من «أيّها النّاس» إلى «البعيدة» ، تذكرة الخواصّ : ص۱۲۸ عن ابن عبّاس وكلّها نحوه ، شرح نهج البلاغة : ج۱ ص۲۱۳ وفيه من «أيّها النّاس . . .» .
6.العقد الفريد : ج۳ ص۲۷۱ .