والآخر: رعاية المساواة في الحقوق المتكافئة.
وإذا لاحظنا سياسة الإمام عليّ عليه السلام في توزيع الأموال نلمس فيها أوضح مصاديق هذين المعيارين ، إذ نقرأ في كتبه إلى عمّاله تأكيده الدائم على تخصيص قسمٍ من مصادر بيت المال للطبقات المحرومة وذات الدخل المحدود ، وتأكيداته الجمّة ، ووصاياه الكثيرة بإلغاء الامتيازات الوهميّة المجحفة، ومنح الحقوق المتساوية للقريب والبعيد، والعربي والأعجمي، والمرأة والرجل، وذي السابقة في الإسلام وحديثي العهد به . فترتسم لطلّاب العدالة صورة مشرقة للعدالة الإنسانيّة.
۲ ـ عدم حبس الحقوق العامّة : الإسراع في الإنفاق، واجتناب حبس الحقوق العامّة ، فمع تأكيد الإسلام على لزوم الاعتدال في الإنفاق والتخطيط له، والإنفاق بمقدار، نجده ذمّ بشدّة حبس الحقوق العامّة بلا مسوّغ، وأوصى بالإسراع في إنفاقها.
وإذا لاحظنا هاتين الخصوصيّتين يمكن بيان المنهج القويم في صرف أموال بيت المال بهذا النحو : إذا تمّ حبس جزء من الدخل لمصارف خاصّة بحيث كان كلّ من الدخل والمصرف حاليّين فهذا الحبس هو الإمساك والادّخار المنهيّ عنه في الروايات .
بل بلغ اهتمام النبيّ الأعظم صلى الله عليه و آله برعاية هذا المبدأ مرتبة قصوى تظهر معها آثار الغمّ على صفحات وجهه الكريم بسبب بقاء مقدار قليل من الأموال الَّتي ينبغي أن تصل إلى مستحقّيها. وحين زادت عائدات بيت المال في عهد عمر بشكل لم يسبق له مثيل قامت الحكومة بتأسيس بيت المال وتشكيل الديوان ، وكانت العائدات تُجمع فيه وتُدَّخر على طول السنة، ثمّ تُوزّع على عامّة المسلمين في نهاية السنة بشكلٍ فردي.