يكتب ابن أبي الحديد في هذا المضمار : «واعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرِف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، زعموا أنّ عمر كان أسوس منه ، وإن كان هو أعلم من عمر ، ثم زعم أعداؤه ومباغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً» . ۱
لكي لا يطول هذا الجزء من موسوعة الإمام أكثر ، نكل الجواب التفصيلي عمّا اُثير من نقدٍ حيال مواضع خاصّة من سياسة الإمام إلى موضعه المناسب من الموسوعة ، لنكتفي في هذا المجال بجواب عامّ يعالج جميع الانتقادات الَّتي اُثيرت حول منهجه أو الَّتي يمكن أن تُثار .
وجوهر هذا الجواب : أنّنا إذا أخذنا السياسة بمعنى أنّها أداة لحكم القلوب ، أو أنّها وسيلة لممارسة الحكم على أساس حقوق النّاس والاحتياجات الواقعيّة للمجتمع ؛ فإنّ عليّاً هو أعظم رجل سياسة في التأريخ بعد النبي صلى الله عليه و آله . أمّا إذا كانت السياسة بمعنى الوصول إلى الحكم وفرض السلطة على المجتمع بأيّ طريق ممكن ، فإنّ عليّاً عليه السلام ليس رجل سياسة أصلاً .
بديهي ، لا يعني ذلك أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يعرف السياسة بهذا المعنى ، إنّما معناه أنّ التزامه بالأحكام الإلهيّة ؛ وتمسّكه بالقيم الأخلاقيّة أثنياه أن يكون سياسيّاً بهذا المعنى ، وإلّا فإنّ الإمام كان أعرف النّاس بألاعيب السياسة وحيلها اللامشروعة من أجل فرض السلطة ، كيف لا ، وهو الَّذي يقول : «لَولا أنَّ المَكر وَالخَديعَةَ فِي النّارِ لَكُنتُ أمكَرَ النّاسِ» .
كما يقول : «هَيهاتَ ، لَولَا التُّقى لَكُنتُ أدهَى العَرَبِ» .
وقوله عليه السلام : «وَاللّهِ ما مُعاوِيَةُ بِأَدهى مِنّي ، ولكِنَّهُ يَغدِرُ ويَفجُرُ ، ولَولا كَراهِيَّةُ الغَدرِ لَكُنتُ مِن أدهَى النّاسِ ، ولكِن كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ ، وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ، ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعرَفُ بِهِ يَومَ القِيامَةِ» .