305
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

أن يتعاملوا مع النّاس بمودّة وعطف ، وأن تكون لهم صلة مباشرة بالشعب ، بحيث يلتقون مع أفراده وجهاً لوجه ، ويُصغون إلى مشكلاتهم مباشرة من دون واسطة ، وأن يتحمّلوا منهم سوء الخلق ، ويصبروا على ما يبدر منهم من سوء وتصرّفات غير لائقة .
كما حثَّ عليه السلام ولاته أن لا يُقطبوا بوجه النّاس ولا يلقوهم بوجوه مكفهرّة ، ولا يسيئوا الظنّ بهم . كما نهاهم عن التجسس فيما يتصل بدائرة الأحوال الشخصيّة ، وأن لا يدقّقوا في الذنوب الَّتي اقترفها الأفراد بعيداً عن عيون الآخرين .
من النقاط المهمّة الاُخرى الَّتي حرص الإمام على إيصاء الولاة بها لجهة سياسة الرفق بالناس ، ضرورة إدلاء الولاة بالتوضيحات اللازمة في كلّ ما يمكن أن يكون باعثاً لسوء ظنّ الشعب ، وسبباً في اتّهام الولاة بغمط حقوق الجمهور والتجاوز عليها ؛ ففي منهج الإمام لا يجوز الاستخفاف بحالة سوء الظنّ الَّتي تبرز لدى الجمهور ، بل ينبغي للولاة والمسؤولين أن يدلوا إلى الشعب بصدق وتواضع بدلائل أعمالهم ، ويوضّحوا لهم أسباب ما أقدموا عليه .

۵ ـ حماية المظلومين

من أجل استئصال العوامل الَّتي تُساعد التعدّي على حقوق النّاس ، وبغية تعميم حالة مواجهة الظالمين والمعتدين ، بادر النظام العلوي إلى تقوية ثقافة حماية المظلومين .
لقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ينتهز كلّ الفرص من أجل توسعة ثقافة مكافحة الظلم ويستفيد منها لحماية المظلومين ، كما كان يحثّ النّاس على مساعدته لإصلاح مجتمعهم ، وهو يهتف : «أيُّهَا النّاسُ أعينوني عَلى أنفُسِكُم ، وَايمُ اللّهِ لَاُنصِفَنَّ المَظلومَ مِن ظالِمِهِ ، ولَأَقودَنَّ الظالِمَ بِخِزامَتِهِ» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
304

في قوله سبحانه : «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَْغْلَـلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ» . وهي ذاتها الَّتي عناها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وعدّها بمنزلة فلسفة بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وهو يقول : «إنَّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَةِ عِبادِهِ إلى عِبادَتِهِ ... وَمِن وِلايَةِ عِبادِهِ إلى وِلايَتِهِ» .
في المنهج العلوي النّاس أحرار بأجمعهم ولا يسوغ أن يكونوا عبيد غيرهم ، وأنّ ما يجرّ الإنسان إلى نير العبوديّة ، ويدفع الأنظمة إلى التجبّر والتسلّط والطغيان ، هي الأغلال الداخليّة والعبوديّة الباطنيّة . فإذا ما أراد المجتمع الإنساني أن يرتقي ذرى الحرّية ، ويبلغ الاستقلال الحقيقي ، فيتحتّم عليه في البدء أن يُحكم الارتباط باللّه ، ويقوم بشروط العبوديّة للّه بحسب تعبير الإمام أمير المؤمنين .
إنّ شروط العبوديّة للّه هي في الحقيقة قوانين الحرّية الواقعيّة للناس ، وإذا لم تذعن الإنسانيّة إلى هذه الشروط ، فستغدو حرّيتها واستقلالها الخارجي حالة مؤقّتة ؛ وهي عائدة إلى العبوديّة حتماً .

۴ ـ سياسة الرفق

تكمن واحدة من النقاط الأساسيّة في المنهج الاجتماعي للحكم العلوي بمبدأ مداراة النّاس ، وكيفيّة تعاطي المسؤولين الحكوميين مع الشعب . فعلى عكس الساسة المحترفين الَّذين يسعَون إلى أن يكون رضا الخاصَة ثمناً لهضم حقوق الجماهير العريضة وسخطها ، تقوم سياسة الإمام أمير المؤمنين على مبدأ إرضاء القاعدة الشعبيّة العريضة ، ولو كان في ذلك سخط الخاصّة وعدم رضاها ، حيث يقول عليه السلام : «إنَّ سُخطَ العامَّةِ يُجحِفُ بِرِضَى الخاصَّةِ ، وإنَّ سُخطَ الخاصَّةِ يُغتَفَرُ مَعَ رِضَى العامَّةِ» .
في الاتّجاه إلى تحقيق سياسة الرفق وكسب رضا الجمهور ، أوصى الإمام ولاته

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 32073
صفحه از 600
پرینت  ارسال به