291
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

وعلى هذا الأساس تتخطّى القاعدة الصلبة الَّتي تقوم عليها الحكومة الإسلاميّة دائرة البيعة ورأي النّاس ؛ إذ للحكم الإسلامي جذر راسخ في حبّ النّاس وقلوبهم . وهنا يكمن سرّ كلّ هذا التركيز القرآني والأحاديث الإسلاميّة ، على محبّة أهل البيت عليهم السلام ومودّتهم ۱ .
من جهةٍ اُخرى نعرف أنّ المحبّة لا ترتكن إلى الأمر ؛ إذ يمكن إجبار الإنسان على أن يقوم بعمل خلاف رغبته وضدَّ ميله الباطني ، ولكن لا يمكن إجباره على حبّ شخصٍ من دون أن ينجذب إليه ويميل له ذاتياً .
إنّ الإنسان عاشق للجمال بطبيعته ، فهو يحبّ جميع مظاهر الجمال المادّي والمعنوي . فإذا أحبّ منهج إنسان وسيرته وارتاح إلى فعله وعمله مالَ إليه وتوثّقت علاقته به ، وإذا نفر منه واستوحش فعله وسيرته لم يحبّه .
من هنا نفهم أنّ فلسفة وجوب محبّة أهل البيت ، تكمن في السعي من أجل معرفتهم معرفة حقيقيّة ؛ لأنّ سيرتهم وسلوكهم هما من الجمال والجاذبيّة بحيث لا يطّلع عليها إنسان وهو سليم الوجدان لم يفقد ضميره الإنساني ، إلّا أحبّهم وشعر بالمودّة إزاءهم .
وهنا بالضبط يكمن سرّ حبّ كلّ الَّذين عرفوا عليّ بن أبي طالب سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين .
لقد استطاع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يعكس في حياته وبالأخصّ خلال عهده السياسي القصير أبهى صورة للإنسانيّة ، وأعظم صيغة للحكم المبتني على أساس القيم الإنسانيّة ؛ فليس بمقدور إنسان ينظر إلى جمال فِعال عليّ وحكمه ثمّ لا يهيم به حبّاً .

1.راجع : كتاب «المحبّة في الكتاب والسنّة» : ص ۱۳۵ (من تجب محبّته) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
290

(۲ )

منهج حكومة القلوب

تنتهي عمليّة تفحّص النصوص الإسلاميّة في مضمار القواعد الَّتي تنهض عليها مرتكزات النظام الإسلامي ، إلى أنّ الإسلام هو دين الحكومة على القلوب ؛ وإلى أنّ المنطلقات السياسيّة للحكم الإسلامي هي اُصول هذا النوع من الحكم والإدارة ، ومن ثَمَّ فإنّ المباني السياسيّة للنظام العلوي هي ليست شيئاً غير مرتكزات الإدارة الإسلاميّة نفسها .
فالإسلام منهج لتكامل الإنسان ماديّاً ومعنويّاً ، وإنّ الحبّ هو أهم العناصر الَّتي تدخل في قوام هذا المنهج . لقد بلغ موقع الحبّ في قيام الحكومة الإسلاميّة ، ودوره في برامج هذا الدين من أجل تقدّم المجتمع الإنساني ، حدّاً جعل الإمام الباقر عليه السلام لا يرى الإسلام إلّا أنّه دين الحبّ وحسب ، وهو يقول : «هَلِ الدِّينُ إلّا الحُبُّ !» ۱ .
ومن وجهة نظر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام تقوم الدعائم الأساسيّة للإسلام واُصول منهاجه التكاملي ، على أساس محبّة اللّه ، حيث يقول :
«إنَّ هذَا الإِسلامَ دينُ اللّهِ الَّذِي اصطَفاهُ لِنَفسِهِ ، وَاصطَنَعَهُ عَلى عَينِهِ ، وأصفاهُ خِيَرَةَ خَلقِهِ ، وأقامَ دَعائِمَهُ عَلى مَحَبَّتِهِ» ۲ .
كما أنّ أئمّة الدين والقادة السياسييّن الصادقين للاُمّة الإسلاميّة ، ما هُم إلّا مظاهر محبّة النّاس للخالق جلّ جلاله ؛ وما محبّة النّاس لهم إلّا محبّة للّه سبحانه ۳ .

1.دعائم الإسلام : ج۱ ص۷۱ .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۸ .

3.«من أحبّكم فقد أحبّ اللّه » (تهذيب الأحكام : ج۶ ص۹۷ وص۱۰۱ ح۱ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج۲ ص۶۱۳ ح۳۲۱۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 32177
صفحه از 600
پرینت  ارسال به