289
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

قَدَمايَ مِن هذِهِ المَداحِضِ لَغَيَّرتُ أشياءَ» .
لم يكن سهلاً على الإمام أمير المؤمنين أن يواجه بشكل مباشر وفوري الإرث الثقافي الَّذي تطبّع عليه النّاس واعتادوه خلال ربع قرن من الزمان ؛ لأنّ هذه العمليّة ـ لو تمّت ـ كانت تجرّ إليها نفور الجمهور وسخطه ، وتستتبع اختلاف الاُمّة . لذلك كلّه ترك الإمام موضوع مواجهة الانحرافات الثقافيّة إلى فرصةٍ مؤاتية .
أجل ، لقد انطلق الإمام عليّ عليه السلام ببرنامجه الإصلاحي الدقيق والمدروس ، لإعادة المجتمع الإسلامي إلى سيرة النبيّ وسنّته ، من نقطة العدالة الاجتماعيّة ومفصل الإصلاح الإداري والاقتصادي . ثمّ ظلَّ وفياً لهذا النهج حَتّى آخر لحظات حياته ، حيث لم يتراجع في أحلك الأوضاع السياسيّة الَّتي مرَّت ، ولم يتوانَ في بذل أقصى جهوده من أجل استكمال هذا المشروع ، وإيجاد المجتمع القائم على أساس القيم والأهداف الإسلاميّة الأصيلة .
إنّ ما سنتوفّر عليه في هذا الجزء من الموسوعة هو بيان أهمّ اُصول حركة الإصلاح العلوي ، وأبرز مرتكزاتها في مضمار الإصلاح الإداري ، والثقافي ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والقضائي ، والأمني ، والعسكري ، وذلك من خلال الاستناد إلى النصوص الحديثيّة والتاريخيّة .
ثمّ نصير بعدئذٍ إلى استخلاص رؤى الإمام في مجال السياسات الَّتي تُفضي على المستوى الدولي إلى ثبات الدول أو سقوطها ، وبيان ما يكون منها مؤثّراً على صعيد العلاقة الإيجابيّة بين الدول بعضها ببعض . وأخيراً ننتقل إلى عرض نصوص سياسات الإمام ومصادرها .
أما التوفّر على شرح وافٍ لمرتكزات سياسة الإمام فهي عمليّة تحتاج إلى فرصة اُخرى .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
288

أدرك سُراةُ القوم وكبراؤهم أنّ العدالة الاقتصاديّة في ظلال حكم عليّ عليه السلام ليست شعاراً وحسب ، بل هي نهج جادّ لا محيد عنه ، فراحوا يتحجّجون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام ، وأبدَوا تذمّرهم من ذلك ، فما كان من ابن أبي رافع إلّا أن رفع الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيّات المرموقة ، ليس هذا وحسب ، بل أعلن بجزم عن إدامة النهج الإصلاحي ، وهو يقول : «وَاللّهِ إن بَقيتُ وسَلِمتُ لَهُم لَاُقيمَنَّهُم عَلَى المَحَجَّةِ البَيضاءِ» .
من هذه البؤرة بالذات بدأت مسألة الطلب بثأر عثمان من الإمام ! والَّذي يبعث على التأمّل أنّ بعض أصحاب الثروات كانوا قد قيّدوا بيعتهم للإمام بشرطين ؛ الأوّل : أن لا يقترب الإمام من ثرواتهم الَّتي كانوا جنوها على عهد عثمان ، والثاني : أن يقتصّ من قتلة عثمان .
لقد كان الإمام يعلم أنّ مسألة إنزال القصاص بقَتَلة عثمان لم تكن أكثر من ذريعة لعدم استرداد الثروات غير المشروعة لهؤلاء ، بيدَ أنه لم يُذعن إلى أيٍّ من هذين الشرطين ، وواجه ـ بحزم وصلابة ـ الاقتراحات التساوميّة .

سياسة الإصلاح الثقافي

لقد كانت الأوضاع موائمة لبدء الإصلاح الإداري والاقتصادي نتيجةً لقيام عامّة النّاس ضدّ الفساد الإداري والاقتصادي المستشري على عهد عثمان . على هذا الأساس انطلق الإمام بهذه الإصلاحات منذ الأيّام الأولى لتسنّمه أزمّة السلطة برغم تقديره لجميع التبعات الَّتي تترتّب عليها ، والمشكلات الَّتي تؤدّي إليها . على عكس حركة الإصلاح الثقافي الَّتي لم يكن الشروع الفوري بها ممكناً ، بل كانت تحتاج إلى زمان حَتّى يستقرّ حكم الإمام . ولذلك كان عليه السلام يقول في هذا المضمار : «لَوِ استَوَت

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 32203
صفحه از 600
پرینت  ارسال به