أدرك سُراةُ القوم وكبراؤهم أنّ العدالة الاقتصاديّة في ظلال حكم عليّ عليه السلام ليست شعاراً وحسب ، بل هي نهج جادّ لا محيد عنه ، فراحوا يتحجّجون ويتبرّمون أمام كاتب الإمام ، وأبدَوا تذمّرهم من ذلك ، فما كان من ابن أبي رافع إلّا أن رفع الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلم يُفاجأ الإمام بانطلاق شرارة المعارضة والرفض من قبل الشخصيّات المرموقة ، ليس هذا وحسب ، بل أعلن بجزم عن إدامة النهج الإصلاحي ، وهو يقول : «وَاللّهِ إن بَقيتُ وسَلِمتُ لَهُم لَاُقيمَنَّهُم عَلَى المَحَجَّةِ البَيضاءِ» .
من هذه البؤرة بالذات بدأت مسألة الطلب بثأر عثمان من الإمام ! والَّذي يبعث على التأمّل أنّ بعض أصحاب الثروات كانوا قد قيّدوا بيعتهم للإمام بشرطين ؛ الأوّل : أن لا يقترب الإمام من ثرواتهم الَّتي كانوا جنوها على عهد عثمان ، والثاني : أن يقتصّ من قتلة عثمان .
لقد كان الإمام يعلم أنّ مسألة إنزال القصاص بقَتَلة عثمان لم تكن أكثر من ذريعة لعدم استرداد الثروات غير المشروعة لهؤلاء ، بيدَ أنه لم يُذعن إلى أيٍّ من هذين الشرطين ، وواجه ـ بحزم وصلابة ـ الاقتراحات التساوميّة .
سياسة الإصلاح الثقافي
لقد كانت الأوضاع موائمة لبدء الإصلاح الإداري والاقتصادي نتيجةً لقيام عامّة النّاس ضدّ الفساد الإداري والاقتصادي المستشري على عهد عثمان . على هذا الأساس انطلق الإمام بهذه الإصلاحات منذ الأيّام الأولى لتسنّمه أزمّة السلطة برغم تقديره لجميع التبعات الَّتي تترتّب عليها ، والمشكلات الَّتي تؤدّي إليها . على عكس حركة الإصلاح الثقافي الَّتي لم يكن الشروع الفوري بها ممكناً ، بل كانت تحتاج إلى زمان حَتّى يستقرّ حكم الإمام . ولذلك كان عليه السلام يقول في هذا المضمار : «لَوِ استَوَت