283
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

ومن هذا المنظار سيتمّ عرض تعاليم الإمام علي عليه السلام في هذا المجال .
أمّا ما يميّز الإسلام على هذا الصعيد عن بقيّة المدارس والمنهجيّات فيكمن في «مفهوم» السياسة العلويّة في مقابل «مفهوم» السياسة الاُمويّة ، وما ينطوي عليه هذا المصطلح من مضامين معنويّة .

السياسة في المدرسة الاُمويّة

تنظر المدرسة الاُمويّة إلى السياسة على أنّها : «تشخيص الهدف وبلوغه بأيّ طريق ممكن» . والحقيقة أنّ سياسيّي العالم في الماضي والحاضر الَّذين يتعاطون هذه الممارسة رسميّاً ، لا يفهمون من «السياسة» أكثر من هذا .
وحقيقة الحال أنّ السياسة في المدرسة الاُمويّة بمعناها الشائع في التقليد السياسي للحكومات والأنظمة ، لا تنهض على اُصولٍ ومرتكزات قيميّة . فهذا (شينفلر) أحد منظّري السياسة وفق هذا المبنى يقول : لا شأن للسياسي المحترف في أن تكون الاُمور حقّاً أم باطلاً .
على المستوى ذاته حلّل (برتراند راسل) أيضاً الدوافع والألاعيب السياسيّة ، وتعاطى وإيّاها من خلال المنظار نفسه ، وهو يقول : «يتمثّل الحافز السياسي عند أكثر النّاس بالنفعيّّة والأنانيّة والتنافس وحبّ السلطة . على سبيل المثال : يكمن مصدر جميع الأعمال الإنسانيّة في الممارسة السياسيّة بالعوامل المذكورة آنفاً .
فالقائد السياسي الَّذي يستطيع إقناع النّاس بقدرته على تلبية هذه الاحتياجات وإشباعها ، تصل قدرته في احتواء جماهير النّاس وضمّها إلى سلطته حدّاً تؤمن فيه أنّ اثنين زائد اثنين يساوي خمسة ، أو أنّ جميع هذه الصلاحيّات قد فُوّضت إليه من قِبل اللّه !
أمّا القائد السياسي الَّذي يُغضي عن مثل هذه الدوافع ويهملها ، فهو لا يحظى


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
282

الموسوعة ، بيدَ أن إدارة السلطة ، وطبيعة السياسات الَّتي انتهجها الإمام في الحكم تحظى بأهمّية خاصّة في العصر الحاضر ، ولا سيما بالنسبة لقادة الجمهوريّة الإسلاميّة ، نظراً لما تتمتّع به من فاعليّة وبُعد تعليميّ .
لكن قبل أن نعرض للنصوص التاريخيّة والحديثيّة ذات الصلة بنهج الإمام السياسي نمرّ في البدء على تعريف السياسة والمراد منها في كلٍّ من المدرستين : العلويّة والاُمويّة ، ثمّ نعرض من خلال إشارات سريعة إلى العناوين الرئيسيّة للمرتكزات السياسيّة للإمام ، والاُصول الَّتي يعتمدها في الإدارة .
وعلى ضوء هاتين النقطتين ننتقل بعدئذٍ إلى معالجة الأسئلة الَّتي تُثار حيال الرؤية السياسيّة للإمام والإجابة عنها ، والدفاع عن سياسته عليه السلام ومعنى كونه سياسيّاً .
تعدّ الرؤية السياسيّة من وجهة نظر الإمام علي عليه السلام واحدة من أهمّ الشروط الأساسيّة للقيادة ؛ فالإمام لا ينظر إلى السياسة بوصفها رمز دوام الرئاسة والقيادة ، واستمرار إطاعة الاُمّة للقائد وحسب ، بل ما برح يؤكّد أنّ «المُلك سياسة» .
إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يتحدّث صراحة بأنّ العجز السياسي هو آفة تهدّد القادة ، وأنّ اُولئك القادة الَّذين لا يتمتّعون ببصيرة سياسيّة نافذة تتآكل سلطتهم ، ويهبط عهد رئاستهم إلى أقلّ مدىً زمني ، وفي نهج الإمام فإنّ السياسات الخاطئة هي علامة سقوط الدول وزوال الحكومات .
وعلى هذا الأساس تذهب المدرسة العلويّة إلى أنّ إدارة المجتمع على ضوء الاُصول الإسلاميّة ، هي عمليّة لا يمكن أن تتحقّق إلّا من خلال التأهّل السياسي لقادة ذلك المجتمع فقط . بتعبير آخر : يعدّ التأهّل السياسي أحد الاُصول العامّة للإدارة ، من دون وجود اختلاف يُذكر على هذا الصعيد بين الإسلام وسائر المدارس والمنهجيّات الاُخَر .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 32179
صفحه از 600
پرینت  ارسال به