257
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

ومن المؤسف أنّ عثمان كانت كلّ مواقفه في هذا المجال غير سويّة ، وقد سبقت الاشارة إلى كيفيّة اختياره للأفراد ، فالمقرّبون منه ؛ أي بطانته ، ما كانوا يحظون بمكانة اجتماعيّة ولا بوجاهةٍ دينيّة .
أضف إلى كلّ ذلك أنّ الخليفة كان شخصا عديم الإرادة وضعيفا أمام آراء بطانته ، كما أنّ مستشاريه لم يكونوا على فكر صائب ؛ ولا هم من أهل الدين والتقوى .
ومن البديهي ـ والحال هذه ـ أنّ جميع آرائهم الَّتي كانوا يفرضونها على عثمان كانت تصبّ في صالح أهوائهم وفي اتّجاه الصدام مع الثائرين ، وليس في صالح الاُمّة والخلافة والخليفة .
فالبطانة الَّتي كانت مقرّبة من عثمان لم تكن على علاقات طيّبة مع الأنصار ، وليس لها مواقف حسنة مع المهاجرين . وهكذا فقد ساقت عثمان في اتّجاه انتهى بمقتله .
يقول شيخ سياستهم أبو سفيان الَّذي اشتهر صيت عدائه للإسلام في الآفاق :
«إنَّ الأَمرَ أمر عالَمِيَّة ، وَالمُلكَ مُلك جاهِلِيَّة ، فَاجعَل أوتادَ الأَرضِ بَني اُمَيَّةَ» .
حسنا ، لقد فعل عثمان ذلك . ولكن إلى أين وصلوا به ؟
لقد كانت جميع الأعمال الَّتي تُفعل باسم عثمان ، بيد مروان ، وهو ذلك الشابّ الَّذي لم يكن يعرف شيئا من تعاليم الإسلام ، وكان طريد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وبعدما عاد من منفاه ووطأت قدمه أرض المدينة أفرغ ما في قلبه من حقد متراكم خلال تلك السنين ، في ظلّ السلطة الَّتي منحها إيّاه خليفة المسلمين ، فأخذ يوجّه الإهانات لجميع المهاجرين والأنصار ، وكان لعمله ذاك تأثير واضح في إثارتهم ضدّ عثمان .
أصبح الخليفة أداة طيّعة بيد مروان بن الحكم ، سواء عندما أعلن توبته أمام


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
256

وجاءت بين كلمات الصحابة فيما يخصّ مقتل عثمان تعابير حول أعماله من قبيل : «بَدَّلَ دينَكُم» ، و«أحدَثَ أحداثا» ؛ فقد خوطب بالقول : «إنَّكَ أحدَثتَ أحداثا لَمَ يَكُنِ النّاسُ يَعهدونَها» ، «أرادَ أن يُغَيِّرَ دينَنا» ، «أحدَثَ الأَحداثَ وخالَفَ حُكمَ الكِتابِ» ، «النّابِذُ لِحُكمِ القُرآنِ وَراءَ ظَهرِهِ» ، «غَيَّرتَ كِتابَ اللّهِ» ، وما شابه ذلك من التعابير الكثيرة ۱ .
ومن الواضح أنّ هذه التعابير تنمّ عن تحريف الدين وتغيير الأحكام ، وتبديل السُنّة المحمّديّة ، وهذا ما حصل في عهد حكومة عثمان ؛ فقد ورد في بعض كتب الصحابة إلى الولايات : «دينُ مُحَمَّدٍ قَد اُفسِدَ» .
وعلى كلّ حال لم يمرّ زمن طويل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ولا يستطيع المسلمون أن يَروا دين اللّه يتعرّض للتحريف والتلاعب ، وتُسخّر أحكام اللّه لمآرب شخصيّة ، ويسكتوا عن ذلك .

۴ ـ المستشارون الفاسدون

يؤدّي المستشارون دورا حاسما في إدارة الاُمور وبلورة الوقائع . والحقيقة هي أنّ المستشار يأخذ على عاتقه دورا تكميليّا بل وأساسيّا في إدارة دفّة الاُمور بالنسبة لمدير ذلك المجتمع .
وهكذا يتّضح أنّ اختيار المستشار يتّصف بحسّاسيّة فائقة . هذا من جانب ، ومن جانب آخر هناك مسألة مهمّة ؛ وهي كيفيّة استفادة القائد منهم ، وكيفيّة إشارتهم عليه ، ودرجة فهمهم ، ومدى إخلاصهم للقائد .

1.راجع أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۳۳ ـ ۱۳۸ و تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۷۶ و ج ۵ ص۴۳ و شرح نهج البلاغة : ج۹ ص۳۶ و ج۸ ص۲۲ و وقعة صفّين : ص۳۳۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 32287
صفحه از 600
پرینت  ارسال به