فمعاوية كان في الشام ، وعبد اللّه بن عامر ـ شاب عمره ۲۵ سنة من بني اُميّة ـ في البصرة ، وعبد اللّه بن أبي سرح ـ مع ما كان من ارتداده ـ في مصر ، وسعيد بن العاص في الكوفة ، والأشعث بن قيس في أذربيجان وكان أكثرهم من أقارب عثمان ، وهؤلاء هم الَّذين كانوا يحكمون الاُمّة الإسلاميّة بدلاً من صحابة الرسول صلى الله عليه و آله والوجوه البارزة في المجتمع الإسلامي . وكانوا يضيّقون الخناق على النّاس بدعم من الخليفة . ولم يكن تظلّم النّاس وصيحاتهم تعود عليهم بطائل .
وعندما كان كبار صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يحتجّون على تلك الأوضاع ، كان عثمان يغلظ عليهم ويعاملهم باُسلوب بعيد عن الإنصاف ؛ فقد نفى أبا ذرّ إلى الربذة ، وبقي فيها إلى أن مات غريباً مظلوماً . وداسَ بقدمه عمّار بن ياسر ـ مع ماله من ماضٍ وضّاءٍ ـ حتّى اُصيب بفتق . ونفى عبد اللّه بن مسعود ومنعه عطاءه من بيت المال ، وما إلى ذلك من الأحداث والمواقف الَّتي يمكن للقارئ الاطّلاع عليها بين دفّتي هذا الكتاب .
۲ ـ البذخ في العطاء
اتّبع عثمان سياسة اقتصاديّة تدعو إلى العجب ! فقد كان يتصرّف ببيت المال وكأنّه ملْكٌ مطلق له ، وقد وردت أخبار كثيرة عن كثرة بذله وجزيل عطائه لأقاربه حتّى إنّ قبح هذا السخاء لم يبقَ خافياً عن أنظار الباحثين السُّنّة ؛ فقد وهب للحكم وأبي سفيان ومروان وغيرهم الكثير من الأموال ، ولم يستجب لاحتجاجات المسلمين . والغريب أنّه كان يُسمّي كلّ هذا الهبات من بيت المال صلة للرحم . وقد أدّى عثمان بأعماله هذه إلى إيجاد فوارق طبقيّة فاحشة في المجتمع الإسلامي . كما أدّت هذه الأعمال والهبات المنافية للأحكام الإسلاميّة إلى توسيع رقعة السخط والاحتجاج بين النّاس ، حتّى تحوّلت إلى حركة عامّة وثورة عارمة ضدّ عثمان .