203
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

الاُمورُ وتَعَذَّرَت عَلَيهِمُ المَكاسِبُ .
ألا فَقَد وَاللّهِ عِبتُم عَلَيَّ بِما أقرَرتُمُ لِابنِ الخَطّابِ بِمِثلِهِ ، ولكِنَّهُ وَطَئَكُم بِرِجلِهِ ، وضَرَبَكُم بِيَدِهِ ، وقَمَعَكُمُ بِلِسانِهِ ، فَدِنتُم لَهُ عَلى ما أحبَبتُم أو كَرِهتُم ، ولِنتُ لَكُم ، وأوطَأتُ لَكُم كَتِفي ، وكَفَفتُ يَدي ولِساني عَنكُم ، فَاجتَرَأتُم عَلَيَّ ، أما وَاللّهِ لَأنَا أعَزُّ نَفَرا ، وأقرَبُ ناصِرا ، وأكثَرُ عَدَدا وأقمَنُ ۱ ، إن قُلتُ : هَلُمَّ ، اُتِيَ إلَيَّ ، ولَقَد أعدَدتُ لَكُم أقرانَكُم وأفضَلتُ عَلَيكُم فُضولاً ، وكَشَرتُ لَكُم عَن نابي ، وأخرَجتُم مِنّي خُلقا لَم أكُن اُحسِنُهُ ، ومَنطِقا لَم أنِطق بِهِ ، فَكُفّوا عَلَيكُم ألسِنَتَكُم وطَعنَكُم وعَيبَكُم عَلى وُلاتِكُم ؛ فَإِنّي قَد كَفَفتُ عَنكُم مَن لَو كانَ هُوَ الَّذي يُكَلِّمُكُم لَرَضيتُم مِنهُ بِدونِ مَنطِقي هذا .
ألا فَما تَفقِدونَ مِن حَقِّكُم ؟ وَاللّهِ ما قَصَّرتُ في بُلوغِ ما كانَ يَبلُغُ مَن كانَ قَبلي ، ومَن لَم تَكونوا تَختَلِفونَ عَلَيهِ ، فَضَلَ فَضلٌ مِن مالٍ ؛ فَما لي لا أصنَعُ في الفَضلِ ما اُريدُ ، فَلِمَ كُنتُ إماما ؟
فَقامَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ فَقالَ : إن شِئتُم حَكَّمنا وَاللّهِ بَينَنا وبَينَكُمُ السَّيفَ ، نَحنُ وَاللّهِ وأنتُم كَما قالَ الشّاعِرُ :


فَرَشنا لَكُم أعراضَنا فنبَت بِكُم
مَعارِسُكُم تَبنون في دِمَنِ الثَّرى

فَقالَ عُثمانُ : اُسكُت لا سَكَتَّ ، دَعني وأصحابي ، ما مَنطِقُكَ في هذا ! أ لَم أتَقَدَّم إلَيكَ أ لّا تَنطِقَ . فَسَكَتَ مَروانُ ونَزَلَ عُثمانُ ۲ .

۱۲۰۰.نهج البلاغة :مِن كَلامٍ لَهُ عليه السلام لَمَّا اجتَمَعَ النّاسُ إلَيهِ وشَكَوا ما نَقَموهُ عَلى عُثمانَ وسَأَلوه

1.يقال : قَمَنٌ وقَمِنٌ وقمين : أي خليق وجدير (النهاية : ج۴ ص۱۱۱) .

2.تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۳۶ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۲۷۵ ، أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۷۴ نحوه ، البداية والنهاية : ج۷ ص۱۶۸ ؛ الجمل : ص ۱۸۷ ـ ۱۹۰ عن ابن دأب .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
202

وَالقِتالُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، وتُلَبَّسُ اُمورُها عَلَيها ، ويَترُكُهُم شِيَعا ، فَلا يُبصِرونَ الحَقَّ ؛ لِعُلُوِّ الباطِلِ ، يَموجونَ فيها مَوجا ، ويَمرُجونَ ۱ فيها مَرَجا .
فَقالَ عُثمانُ : قَد واللّهِ عَلِمتُ ، لَيَقولُنَّ الَّذي قُلتَ ، أما وَاللّهِ لَو كُنتَ مكاني ما عَنَّفتُكَ ، ولا أسلَمتُكَ ، ولا عِبتُ عَلَيكَ ، ولا جِئتُ مُنكَرا أن وَصَلتُ رَحِما ، وسَدَدتُ خَلَّةً ، وآوَيتُ ضائِعا ، ووَلَّيتُ شَبيها بِمَن كانَ عُمَرُ يُولِّي .
اُنشِدُكَ اللّهُ يا عَلِيُّ ، هَل تَعلَمُ أنَّ المُغيرَةَ بنَ شُعبَةَ لَيسَ هُناكَ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ : فَتَعلَمُ أنَّ عُمَرَ وَلّاهُ . قالَ : نَعَم ، قالَ : فَلِمَ تَلومُني أن وَلَّيتُ ابنَ عامِرٍ في رَحِمِهِ وقَرابَتِهِ ؟ قالَ عَلِيٌّ : سَاُخبِرُكَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطّابِ كانَ كُلَّ مَن وَلّى فَإِنَّما يَطَأُ عَلى صِماخِهِ إن بَلَغَهُ عَنهُ حَرفٌ جَلَبَهُ ، ثُمَّ بَلَغَ بِهِ أقصَى الغايَةِ ، وأنتَ لا تَفعَلُ ، ضَعَفتَ ورَفَقتَ عَلى أقرِبائِكَ . قالَ عُثمانُ : هُم أقرِباؤُكَ أيضا . فَقالَ عَلِيٌّ : لَعَمري إنَّ رَحِمَهُم مِنّي لَقَريبَةٌ ولكِنَّ الفَضلَ في غَيرِهِم .
قالَ عُثمانُ : هَل تَعلَمُ أنَّ عُمَرَ وَلّى مُعاوِيَةَ خِلافَتَهُ كُلَّها ؟ فَقَد وَلَّيتُهُ . فَقالَ عَلِيٌّ : اُنشِدُكَ اللّهُ هَل تَعلَمُ أنَّ مُعاوِيَةَ كانَ أخوَفَ مِن عُمَرَ مِن يَرفَاً غُلامِ عُمَرَ مِنهُ ؟ قالَ : نَعَم . قالَ عَلِيٌّ : فَإِنَّ مُعاوِيَةَ يَقتَطِعُ الاُمورَ دونَكَ وأنتَ تَعلَمُها ، فَيَقولُ لِلنّاسِ : هذا أمرُ عُثمانَ فَيَبلُغُكَ ولا تُغَيِّرُ عَلى مُعاوِيَةَ .
ثُمَّ خَرَجَ عَليٌّ مِن عِندِهِ وخَرَجَ عُثمانُ عَلى أثَرِهِ فَجَلَسَ عَلَى المِنبَرِ ، فَقالَ :
أمّا بَعدُ ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيءٍ آفَةً ، ولِكُلِّ أمرٍ عاهَةً ، وإنَّ آفَةَ هذِهِ الاُمَّةِ وعاهَة
هذِهِ النِّعمَةِ عَيّابونَ طَعّانونَ يُرونَكُم ما تُحِبّونُ ويُسِرّونَ ما تَكرَهونَ ، يَقولونَ لَكُم وتَقولونَ ، أمثالُ النَّعامِ يَتَّبِعونَ أوَّلَ ناعِقٍ ، أحبُّ مَوارِدِها إلَيهَا البَعيدُ ،
لا يَشرَبونَ إلّا نَغَصا ، ولا يَرِدونَ إلّا عَكَرا ، لا يَقومُ لَهُم رائِدٌ وقَد أعيَتهُم

1.المَرَج : الاختلاط والاضطراب ، ومرج الدِّين : اضطرب والتبس المخرج فيه (تاج العروس : ج۳ ص۴۸۴) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 32289
صفحه از 600
پرینت  ارسال به