انحِطاطا للّهِِ سُبحانَهُ عَن تَناوُلِ ما هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنَ العَظَمَةِ وَالكِبرِياءِ . ورُبَّمَا استَحلَى النّاسُ الثَّناءَ بَعدَ البَلاءِ .
فَلا تُثنوا عَلَيَّ بِجَميلِ ثَناءٍ ، لِاءِخراجي نَفسي إلَى اللّهِ وإلَيكُم مِنَ البَقِيَّةِ في حُقوقٍ لَم أفرُغ مِن أدائِها ، وفَرائِضَ لابُدَّ مِن إمضائِها ؛ فَلا تُكَلِّموني بِما تُكَلَّمُ بِهِ الجَبابِرَةُ ، ولا تَتَحَفَّظوا مِنّي بِما يُتَحَفَّظُ بِهِ عِندَ أهلِ البادِرَةِ ۱ ، ولا تُخالِطوني بِالمُصانَعَةِ ، ولا تَظُنّوا بِي استِثقالاً في حَقٍّ قيلَ لي ، ولَا التِماسَ إعظامٍ لِنَفسي لِما لا يَصلُحُ لي ؛ فَإِنَّهُ مَنِ استَثقَلَ الحَقَّ أن يُقالَ لَهُ ، أو العَدلَ أن يُعرَضَ عَلَيهِ ، كانَ العَمَلُ بِهِما أثقَلَ عَلَيهِ .
فَلا تَكُفّوا عَنّي مَقالَةٍ بِحَقٍّ ، أو مَشورَةٍ بِعَدلٍ ؛ فَإِنّي لَستُ في نَفسي بِفَوقِ ما أن اُخطِئَ ، ولا آمَنُ ذلِكَ مِن فِعلي ، إلّا أن يَكفِيَ اللّهُ مِن نَفسي ما هُوَ أملَكُ بِهِ مِنّي ، فَإِنَّما أنَا وأنتُم عَبيدٌ مَملوكونَ لِرَبٍّ لا رَبَّ غَيرُهُ ، يَملِكُ مِنّا ما لا نَملِكُ مِن أنفُسِنا ، وأخرَجَنا مِمّا كُنّا فيهِ إلى ما صَلَحنا عَلَيهِ ، فَأَبدَلَنا بَعدَ الضَّلالَةِ بِالهُدى ، وأعطانَا البَصيرَةَ بَعدَ العَمى ۲ .
۴ / ۶
الاِلتِزامُ بِالحَقِّ في مَعرِفَةِ الرِّجالِ
۱۴۳۹.الأمالي للمفيد عن الأَصبغَ بن نُباتة :دَخَلَ الحارِثُ الهَمدانِيُّ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام في نَفَرٍ مِنَ الشّيعَةِ وكُنتُ فيهِم ، فَجَعَلَ الحارِثُ يَتَأَوَّدُ في مِشيَتِهِ ، ويَخبِطُ ۳ الأَرضَ بِمِحجَنِهِ ۴ ، وكانَ مَريضا ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام ـ وكانَت لَه
1.البادِرة : الحِدّة ؛ وهو ما يَبدر من حِدّة الرجل عند غضبه من قول أو فعل (لسان العرب : ج۴ ص۴۸) .
2.الكافي : ج۸ ص۳۵۵ ح۵۵۰ عن جابر عن الإمام الباقر عليه السلام ، نهج البلاغة : الخطبة ۲۱۶ وفيه «التقيّة» بدل «البقيّة» .
3.الخبط : الضرب (المصباح المنير : ص۱۶۳) .
4.المِحْجَن : عصا مُعقّفة الرأس كالصولجان ، والميم زائدة (النهاية : ج۱ ص۳۴۷) .