ولمّا تسنّم عثمان الخلافة ابتعد عن الساحة السياسيّة ، فلم يشترك في التيّارات السياسيّة الحاكمة آنذاك ، كما اعتزل الساحة السياسيّة والاجتماعيّة أيّام خلافة الإمام علي عليه السلام ، بل جعل العزلة قوام سياسته الاجتماعية ، فلم يشترك مع الإمام عليه السلام في شيء من حروبه أيّام الخلافة .
ومن الواضح أنّ هذه السيرة كانت قائمة على اُسس واهية لا على أساس متين ، ولهذا لم يتّخذها منهجا إلّا هذه البرهة من حياته ؛ فلم يعتزل الساحة أيّام الخلفاء الثلاث ، كما لم يعتمد هذه السياسة زمن الحكّام الَّذين تقلّدوا زمام الاُمور بعد أمير المؤمنين عليه السلام ؛ حيث بايع معاوية ۱ ويزيد ۲ مع تخلّف عدد كبير من الصحابة والوجوه البارزة من الاُمّة ـ ومنهم الحسين بن علي عليهماالسلام ـ عن بيعته . وكذا بايع عبد الملك ۳ ، بل حثّ محمّد ابن الحنفيّة على البيعة له لمّا امتنع منها وشرط لها بيعة جميع النّاس ۴ .
والعجب أنّه ذهب ليلاً إلى الحجّاج بن يوسف ليمدّ له يد البيعة لعبد الملك ؛ لئلّا يبقى ليلةً بلا إمام ، لأنّه روى عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «مَن ماتَ ولا إمام لَهُ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» ، فاحتقره الحجّاج ـ ذلك الحاكم المتكبّر الظالم ـ ومدّ له رجله من تحت الفراش ليصفق عليها يد البيعة ؛ لعلمه بأنّ منشأ هذه البيعة هو الخوف والضعف والعجز ۵ .
1.الاستيعاب : ج۳ ص۴۷۲ الرقم۲۴۶۴ .
2.الطبقات الكبرى : ج۴ ص۱۸۲ ، مروج الذهب : ج۲ ص۳۶۱ .
3.صحيح البخاري : ج۶ ص۲۶۳۴ ح۶۷۷۷ وح ۶۷۷۹ ، الموطّأ : ج۲ ص۹۸۳ ح۳ ، السنن الكبرى : ج۸ ص۲۵۴ ح۱۶۵۶۴ ، الطبقات الكبرى : ج۴ ص۱۸۳ ، مروج الذهب : ج۲ ص۳۶۱ .
4.الطبقات الكبرى : ج۵ ص۱۱۱ ، سير أعلام النبلاء : ج۴ ص۱۲۸ الرقم ۳۶ .
5.شرح نهج البلاغة : ج۱۳ ص۲۴۲ ؛ الفصول المختارة : ص۲۴۵ ، الإيضاح : ص۷۳ .