643
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل

المجالس الخاصّة للرسول صلى الله عليه و آله بحيث إنّ الجدل واللغط اشتدّ، وأصبحت كتابة الوصيّة غير ذات جدوى .
والأدهى من كلّ ذلك هو أنّ البعض حاول إثبات صحّة عمل الخليفة ولكن على حساب الانتقاص من الرسول صلى الله عليه و آله ، فقالوا :
«إنَّهُ مِن دَلائِلِ فِقهِ عُمَرَ وفَضائِلِهِ ودَقيقِ نَظَرِهِ ؛ لِأَنَّهُ خَشِيَ أن يَكتُبَ صلى الله عليه و آله اُمورا رُبَّما عَجَزوا عَنها وَاستَحَقُّوا العُقوبَةَ عَلَيها ؛ لِأَنَّها مَنصوصَةٌ لا مَجالَ لِلاِجتِهادِ فيها» ۱ .
فالرسول صلى الله عليه و آله يقول لهم : اُريد أن أكتب لكم شيئا لا تضلّوا بعده أبدا ، وهؤلاء يقولون : إنّ كتابة الرسول توجب العقاب ، ومعارضة عمر له دليل على فقهه وفضله ودقيق نظره ! ! ونظرا لهذا التعارض الصريح بين رأي الرسول صلى الله عليه و آله ورأي الخليفة الثاني ، كيف يمكن حينئذٍ تفسير هذه الإشادة بعمر ؟ !
والأعجب من ذلك هو التبرير الذي جاء به القاضي عيّاض لكلّ الواقعة ؛ إذ أنّه حرّفها عن صورتها الأصليّة ، وأوردها على نحو مقلوب ، بقوله :
«أهَجَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ هكَذا هُوَ في صَحيحِ مُسلِمٍ وغَيرِهِ : أهَجَرَ ؟ عَلى نَحوِ الاِستِفهامِ ، وهُوَ أصَحُّ مِن رِوايَةِ مَن رَوى : هَجَرَ أو يَهجُرُ ؛ لِأَنَّ هذا كُلَّهُ لا يَصِحُّ مِنهُ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّ مَعنى هَجَرَ : هَذى . وإنَّما جاءَ هذا مِن قائِلِهِ استِفهاما لِلإِنكارِ عَلى مَن قالَ : لا تَكتُبوا ؛ أي لا تَترُكوا أمرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وتَجعَلوهُ كَأَمرِ مَن هَجَرَ في كَلامِهِ ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه و آله لا يَهجُرُ ، وقَولُ عُمَرَ : حَسبُنا كِتابُ اللّهِ ، رَدٌّ عَلى مَن نازَعَهُ ، لا عَلى أمرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله » ۲ .
فهل ثمّة تحريف أوضح من هذا ؟ ومن البديهي أنّ هذا النصّ لو لم يكن موجودا في صحيحي البخاري ومسلم ، لوصل إلينا بهذا الشكل المحرّف .

1.شرح صحيح مسلم للنووي : ج۱۱ ص۹۹ هامش الحديث ۱۶۳۷ .

2.الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ج۲ ص۱۹۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل
642

منع كتابة الوصيّة بين التبرير والنقد

تعتبر واقعة عزم الرسول صلى الله عليه و آله على كتابة الوصيّة ، ومنع الخليفة الثاني إيّاه من كتابتها، واقعة غريبة ومثيرة .
فرسول اللّه صلى الله عليه و آله الذي «مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى» ۱ قد قرّر في آخر لحظات حياته بيان بعض الاُمور للاُمّة الإسلاميّة . وحتى لو كان الرسول شخصا عاديّا كان ينبغي تلبية طلبه ذاك ، ناهيك عن أنّه أعلن بأنّ هدفه من كتابة تلك الوصيّة هو أن لا تضلّ بعده الاُمّة أبدا ، وهذا هدف يطمح إليه كلّ إنسان .
المثير للدهشة في هذا المجال هو أنّ الخليفة الثاني عارض ذلك الطلب البسيط الذي ينطوي على نتيجة كبرى . وأسباب تلك المعارضة واضحة طبعا ، وصرّحت بها بعض المصادر التاريخيّة . وحتى لو لم يُشِر أيّ مصدر تاريخي إلى مراده ، فإنّ أيّ باحث منصف يدرك حقيقة الأمر من خلال وضع هذه الواقعة وواقعة السقيفة ، ووصول عمر إلى منصب الخلافة ، إلى جانب بعضها الآخر .
ويستفاد من المصادر التاريخيّة بأنّ هناك فئة كانت تعاضد عمر وتؤازره في موقفه ذاك . وهذا ما يدلّ على وجود جماعة ضغط كان لها حضور حتى فى ¨

1.النجم : ۳ و ۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 21969
صفحه از 664
پرینت  ارسال به