عندها أحجم النبيّ عن الحاضرين ، ونادى بهم : «قوموا عَنّي» ! ۱
لم تُكتب هذه الوصية النبويّة ، لكن محتواها كان واضحاً لكثيرين ـ ولا يزال ـ وهم يعرفون تماماً لماذا أحجم النبيّ عن إملائها .
لا ريب أنّ محتوى الوصيّة هو تأكيد آخر على ما تمّ إبلاغه في الغدير من الولاية وتحديد مستقبل الاُمّة ومصيرها ، تشهد على ذلك النقاط التالية :
۱ ـ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله تحدّث عن «التمسّك» بالثقلين مرّات ومرّات ، وعدَّ ذلك عصمة للاُمّة من مهاوي الردى والضلال . وفي حديثه عن هذه الوصيّة صرّح بالخصلة ذاتها ، وهو يقول : «كِتاباً لَن تَضِلّوا» .
۲ ـ ينبغي أن ندرس ونتأمّل طبيعة الشيء الذي إذا كتبه الرسول يُثير كلّ هذا الصخب والتوجّس وردود الأفعال ، حتى ليستمرئ بعض الحاضرين توجيه تلك المقالة المهينة إلى رسول اللّه ، هل كان ثمَّ شيء خليق بإثارة هذا الجوّ العنيف المنفعل غير قضيّة «القيادة» ، حتى بلغ من ضوضاء القوم أن أمر النبيّ بإخراجهم وإبعادهم عنه ، بكلمات ملؤها الألم !
۳ ـ كان ابن عبّاس يتحدّث عن تلك الرزيّة [رزيّة الخميس ]على الدوام ، ويُعيد ذكراها بتوجّع وألم ، حتى كانت دموعه تسيل على خدّيه في بعض المرّات ، وقد قال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أوصى بثلاث بعد الذي قالوا ، قال : «أخرِجُوا المُشرِكينَ مِن جَزيرَةِ العَرَبِ ، وأجيزُوا الوَفدَ بِنَحوِ ما كُنتُ اُجيزُهُم . . .» .
ثمّ ذكر ابن أبي نجيح الذي روى الخبر عن سعيد بن جبير ، ما نصّه : وسَكَتَ سَعيدٌ عَنِ الثّالِثَةِ ، فَلا أدري أسَكَتَ عَنها عَمداً ؟ ! وقالَ مَرَّةً : أو نَسِيَها ؟ وقالَ سُفيان