السفاهات ، لكن ندّ مِن بينهم رجل كان أكثرهم وقاحة ، وأجرأهم على الحقّ ، نظر بعين الشكّ إلى ما قام به النبيّ من نصب عليّ للإمامة ، فأسرع إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله تسبقه أحقاده ، فسأله بجلفٍ وفجاجة ، عن الذي جاء به ، وفيما إذاكان منه أم من اللّه ، فردّ عليه نبيّ اللّه ثلاث مرّات مشفوعة بقسم أنّ ما جاء به هو من عند اللّه ، وهو أمر السماء لابدّ له فيه . لكنّ الرجل مضى بنفس متبلّدة داجية ، وروح منهوكة مهزومة تُحيط بها ظلمة حالكة من كلّ صوب ، وهو يسأل اللّه بتبرّم وسخط أن يُسقِط عليه حجارة من السماء أو يأتيه بعذاب أليم إن كان ما يقوله حقّاً .
لم يكد يبتعد عن النبيّ خطوات ، حتى نزل به العذاب ، إذ رماه اللّه بحجر قتله من فوره ، بعد أن وقع على هامته ، وأنزل اللّه سبحانه : «سَأَلَ سَآئِل بِعَذَابٍ وَاقِعٍ » ۱ .
المهمّ في هذه الواقعة ما فهمه سائل العذاب ، فهذا الرجل فهم من قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» دلالته على الإمامة والرئاسة والقيادة ، بدليل قوله في سياق ردّه على النبيّ صلى الله عليه و آله : «ثُمَّ لَم تَرضَ حَتّى نَصَبتَ هذَا الغُلامَ ، فَقُلتَ : مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ» ۲ ! إذ من الجليّ أنّ حبّ عليّ وإظهار مودّته لو كانا هما المقصودين في كلام النبيّ ، لما استدعى الأمر كلّ هذا الحنق والغضب من الرجل ، ولما استتبع عصيانه وطغيانه ۳ .
۸ ـ اعتراف الصحابة
لم يكن ثمّةَ من الصحابة في ذلك العصر مَن فهم من الكلام النبوي غير دلالته على مفهوم الإمامة والقيادة . حتى مرضى القلوب أظهروا الذي أظهروه لضعف اعتقادهم ، وإلّا لم يشكّ منهم أحد قط في مدلول الكلام النبوي ومعناه .