(۱۶ )
حديث الغدير
ذكرنا أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أكّد منذ الأيّام الاُولى التي صدع فيها بالرسالة ، على الإمامة ومستقبل الاُمّة من بعده ، وشهدت له المواطن جميعاً ، وهو يعلن «الحقّ» ، ويحدّد أمام الجميع الإمامة من بعده بأعلى خصائصها ، وبمزاياها المتفوّقة ، ولم يتوانَ عن ذلك لحظة ، ولم يُضِع فرصة إلّا وأفاد منها في إعلان هذا «الحقّ» والإجهار به . وفي الحَجَّة الاخيرة التي اشتهرت بـ «حَجَّة الوداع» ، بلغت الجهود النبويّة ذروتها ، وقد جاءه أمر السماء بإبلاغ الولاية ، لتكتسب هذه الحجّة عنوانها الدالّ ، وهي تسمّى «حَجَّة البلاغ» ۱ .
لنشاهد المشهد عن كثب ونتأمّل كيف تكوّنت وقائعه الاُولى . فهذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد قصد التوجّه للحجّ في السنة العاشرة من الهجرة ، وقد نادى منادي رسول اللّه صلى الله عليه و آله يُعلم الناس بذلك ، فاجتمع من المسلمين جمع غفير قاصداً مكّة ليلتحق بالنبيّ صلى الله عليه و آله ، ويتعلّم منه مناسك حجّه .
حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالمسلمين ، ثمّ قفل عائداً صوب المدينة . عندما حلَّ اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة كانت قوافل الحجيج تأخذ طريقها إلى مضاربها ومواضع سكناها ؛ فمنها ما كان يتقدّم على النبيّ ، ومنها ما كان يتأخّر عنه ، بيد أ نّها لم تفترق بعدُ ، إذ ما يزال يجمعها طريق واحد . حلّت قافلة النبيّ صلى الله عليه و آله بموضع يقال له «غدير خمّ» في وادي الجحفة ، وهو مفترق تتشعّب فيه طرق أهل المدينة والمصريّين والعراقيّين .