الأخيرة من حياته ، وراح يسرّ له بينابيع المعرفة ، فقال عليّ بعد ذلك واصفاً الحصيلة التي طلع بها من إسرار النبيّ له : «حَدَّثَني ألفَ بابٍ ، يَفتَحُ كلُّ بابٍ ألفَ بابٍ» . وهذه هي الحقيقة ، يدلّ عليها قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «أنَا دارُ الحِكمَةِ ، وعَلِيٌّ بابُها» .
ثمّ هل انشقّت الحياة الإنسانيّة عن إنسان غير عليّ يقول : «سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني» ؟ وهل عرفت صفحات التاريخ من ينطق بهذا سوى أمير المؤمنين ؟ لقد أجمع الصحابة على أعلميّة عليّ بن أبي طالب ، وتركوا للتاريخ شهادة قاطعة تقول : أفضلنا عليّ . ولِمَ لا يكون كذلك والإمام أمير المؤمنين نفسه يقول : «وَاللّهِ ما نَزَلَت آيَةٌ إلّا وقَد عَلِمتُ فيمَ نَزَلَت ، وأينَ نَزَلَت ، وعَلى مَن نَزَلَت ؛ إنَّ رَبّي وَهَبَ لي قَلباً عَقولاً ، ولِساناً ناطِقاً» .
وما أسمى كلمات الإمام الحسن عليه السلام وما أجلّ كلامه وهو يقول بعد شهادة أمير المؤمنين : «لَقَد فارَقَكُم رَجُلٌ بِالأَمسِ لَم يَسبِقهُ الأَوَّلونَ بِعِلمٍ ولا يُدرِكُهُ الآخِرونَ» .
إنّ هذا وغيره ـ وهو كثير قد جاء في مواضع متعددة ـ ليشهد أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قصد من وراء التركيز على هذه النقطة ـ التي أقرّ بها الصحابة تبعاً للنبيّ ـ أن يعلن عمليّاً عن المرجع الفكري للاُمّة مستقبلاً ، ويحدّد للاُمّة بوضوح الينبوع الثرّ الذي ينبغي أن تستمدّ منه علوم الدين ۱ .