255
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل

ذكره ابن كثير ونسبه إلى العلماء عند البحث عن آيات براءة .
ثمّ لو كانت سنّة عربيّة جاهليّة على هذا النعت فما وزنها في الإسلام ! ! وما هي قيمتها عند النبيّ صلى الله عليه و آله وقد كان ينسخ كلّ يوم سنّة جاهليّة ، وينقض كلّ حين عادة قوميّة ، ولم تكن من جملة الأخلاق الكريمة أو السنن والعادات النافعة ، بل سليقة قبائليّة تشبه سلائق الأشراف ! ! وقد قال صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة عند الكعبة ـ على ما رواه أصحاب السير : «ألَا كُلُّ مَأثَرَةٍ أو دَمٍ أو مَالٍ يُدَّعى فَهُوَ تَحتَ قَدَمَيّ هاتَينِ ، إلّا سِدانَةَ البَيتِ ، وسِقايَةَ الحاجِّ» .
ثمّ لو كانت سنّة عربيّة غير مذمومة ، فهل كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذهل عنها ونسيها حين أسلم الآيات إلى أبي بكر وأرسله ، وخرج هو إلى مكّة حتى إذا كان في بعض الطريق ذكر صلى الله عليه و آله ما نسيه أو ذكّره بعض من عنده بما أهمله وذهل عنه من أمرٍ كان من الواجب مراعاته ، وهو صلى الله عليه و آله المثل الأعلى في مكارم الأخلاق واعتبار ما يجب أن يعتبر من الحزم وحسن التدبير ؟ ! وكيف جاز لهؤلاء المذكّرين أن يغفلوا عن ذلك وليس من الاُمور التي يُغفل عنها وتخفى عادة ، فإنّما الذهول عنه كغفلة المقاتل عن سلاحه .
وهل كان ذلك بوحي من اللّه إليه ؛ أنّه يجب له أن لا يلغي هذه السنّة العربيّة الكريمة ، وأنّ ذلك أحد الأحكام الشرعيّة في الباب ، وأنّه يحرم على وليّ أمر المسلمين أن ينقض عهدا إلّا بنفسه أو بيد أحد من أهل بيته ؟ وما معنى هذا الحكم ؟أو أنّه حكم أخلاقي أضطرّ إلى اعتباره ؛ لما أنّ المشركين ما كانوا يقبلون هذا النقض إلّا بأن يسمعوه من النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه ، أو من أحد من أهل بيته ؟ ! وقد كانت السيطرة يومئذٍ له صلى الله عليه و آله عليهم ، والزمام بيده دونه ، والإبلاغ إبلاغ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل
254

وأمثال النهي عن الطواف عريانا والنهي عن حجّ المشركين بعد العام أحكامٌ إلهيّة ابتدائيّة لم تبلّغ بعدُ ولم تؤدَّ إلى مَن يجب أن تبلغه ؛ وهم المشركون بمكّة والحجّاج منهم ، ولا رسالة من اللّه في ذلك إلّا لرسوله . وأمّا سائر الموارد التي كان يكتفي النبيّ صلى الله عليه و آله ببعث الرسل للتبليغ فقد كانت ممّا فرغ صلى الله عليه و آله فيها من أصل التبليغ ، والتأدية بتبليغه من وسعه تبليغُه ممّن حضر ؛ كالدعوة إلى الإسلام وسائر شرائع الدين ، وكان يقول : «لِيُبَلِّغ الشّاهِدُ مِنكُم الغائِبَ» .
ثمّ إذا مسّت الحاجة إلى تبليغه بعضَ من لا وثوق عادة ببلوغ الحكم إليه أو لا أثر لمجرّد البلوغ إلّا أن يعتني لشأنه بكتاب أو رسول ۱ توسّل عند ذلك إلى رسالة أو كتاب ؛ كما في دعوة الملوك .
وليتأمّل الباحث المنصف قوله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» ، فقد قيل : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ» ولم يُقَل : «لا يُؤَدّي إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» حتى يفيد اشتراك الرسالة ، ولم يُقَل : «لا يُؤَدّي مِنكَ إلّا رَجُلٌ مِنكَ» حتى يشمل سائر الرسالات التي كان صلى الله عليه و آله يقلّدها كلّ من كان من صالحي المؤمنين . فإنّما مفاد قوله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» أنّ الاُمور الرساليّة التي يجب عليك نفسك أن تقوم بها لا يقوم بها غيرك عوضا منك ، إلّا رجل منك ؛ أي لا يخلفك فيما عليك كالتأدية الابتدائيّة إلّا رجل منك .
ثمّ ليت شعري ما الذي دعاهم إلى أن أهملوا كلمة الوحي التي هي قول اللّه نزل به جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه و آله : «لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ» ، وذكروا مكانها أنّه «كانت السنّة الجارية عند العرب أن لا ينقض العهد إلّا عاقده أو رجل من أهل بيته» ! ! تلك السنّة العربيّة التي لا خبر عنها ـ في أيّامهم ومغازيهم ـ ولا أثر ، إلّا ما

1.في المصدر : «أو توسّل» وهو تصحيف .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ - المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ریشهری، با همکاری: سیّد محمّدکاظم طباطبایی
    تعداد جلد :
    8
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 22134
صفحه از 664
پرینت  ارسال به