۱۴۰.الإمام عليّ عليه السلام :مَن رُزِقَ الدّينَ فَقَد رُزِقَ خَيرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ . ۱
۱۴۱.عنه عليه السلام :اِعلَموا عِبادَ اللّهِ أنَّ المُتَّقينَ ذَهَبوا بِعاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ ، فَشارَكوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ولَم يُشارِكوا أهلَ الدُّنيا في آخِرَتِهِم ، سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفضَلِ ماسُكِنَت ، وأكَلوها بِأَفضَلِ ما اُكِلَت ، فَحَظوا مِنَ الدُّنيا بِما حَظِيَ بِهِ المُترَفونَ ، وأخَذوا مِنها ما أخَذَهُ الجَبابِرَة المُتَكَبِّرونَ ، ثُمَّ انقَلَبوا عَنها بِالزّادِ المُبَلِّغِ وَالمَتجَرِ الرّابِحِ . أصابوا لَذَّةَ زُهدِ ۲ الدُّنيا في دُنياهُم ، وتَيَقَّنوا أنَّهُم جيرانُ اللّهِ غَدا في آخِرَتِهِم ، لا تُرَدُّ لَهُم دَعوَةٌ ، ولايُنقَصُ لَهُم نَصيبٌ مِن لَذَّةٍ . ۳
۱۴۲.عنه عليه السلام ـ في كِتابِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ وأهلِ مِصر ـ :عَلَيكُم بِتَقوَى اللّهِ ؛ فَإِنَّها تَجمَعُ مِنَ الخَيرِ ما لا يَجمَعُ غَيرُها ، ويُدرَكُ بِها مِنَ الخَيرِ ما لايُدرَكُ بِغَيرِها مِن خَيرِ الدُّنيا وخَيرِ الآخِرَةِ ، قالَ اللّهُ : «وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ لَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ» . ۴
اِعلَموا يا عِبادَ اللّهِ ، أنَّ المُؤمِنَ يَعمَلُ لِثَلاثٍ مِنَ الثَّوابِ :
إمّا لِخَيرِ الدُّنيا ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُثيبُهُ بِعَمَلِهِ في دُنياهُ ، قالَ اللّهُ سُبحانَهُ لاِءِبراهيم : «وَ ءَاتَيْنَـهُ أَجْرَهُ فِى الدُّنْيَا وَ إِنَّهُ فِى الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّــلِحِينَ» ، ۵ فَمَن عَمِلَ لِلّهِ تَعالى أعطاهُ أجرَهُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ ، وكَفاهُ المُهِمَّ فيهِما ، وقَد قالَ اللّهُ : «يَـعِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ وَ سِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ» ۶ ، فَما أعطاهُمُ اللّهُ فِي الدُّنيا لَم يُحاسِبهُم بِهِ فِي الآخِرَةِ ، قالَ اللّهُ : «لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَ زِيَادَةٌ» ۷ ، فَالحُسنى هِيَ الجَنَّةُ ، وَالزِّيادَةُ هِيَ الدُّنيا .
وإمّا لِخَيرِ الآخِرَةِ ؛ فَإِنَّ اللّهَ يُكَفِّرُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ سَيِّئَةً ، قالَ اللّهُ : «إِنَّ الْحَسَنَـتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَ لِكَ ذِكْرَى لِلذَّ كِرِينَ» ۸ ، حَتّى إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ حُسِبَت لَهُم حَسَناتُهُم ، ثُمَّ أعطاهُم بِكُلِّ واحِدَةٍ عَشرَ أمثالِها إلى سَبعِمِئَةِ ضِعفٍ ، قالَ اللّهُ : «جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَـاءً حِسَابًا» ۹ ، وقالَ : «فَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَ هُمْ فِى الْغُرُفَـتِ ءَامِنُونَ» ۱۰ فَارغَبوا في هذا ـ رَحِمَكُمُ اللّهُ ـ وَاعمَلوا لَهُ وتَحاضّوا ۱۱ عَلَيهِ .
وَاعلَموا يا عِبادَ اللّهِ ، أنَّ المُتَّقينَ حازوا عاجِلَ الخَيرِ وآجِلَهُ ، شارَكوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ولَم يُشارِكهُم أهلُ الدُّنيا في آخِرَتِهِم ، أباحَهُمُ اللّهُ مِنَ الدُّنيا ما كَفاهُم وبِهِ أغناهُم ، قالَ اللّهُ عَزَّ اسمُهُ : «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَ الطَّيِّبَـتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَـمَةِ كَذَ لِكَ
نُفَصِّلُ الآيَـتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» ۱۲ سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفضَلِ ماسُكِنتَ ، وأكَلوها بِأَفضَلِ ما اُكِلَت ، شارَكوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهم فَأَكَلوا مَعَهُم مِن طَيِّباتِ ما يَأكُلونَ ، وشَرِبوا مِن طَيِّباتِ ما يَشرَبونَ ، ولَبِسوا مِن أفضَلِ ما يَلبَسونَ ، وسَكَنوا مِن أفضَلِ ما يَسكُنونَ ، وتَزَوَّجوا مِن أفضَلِ ما يَتَزَوَّجونَ ، ورَكِبوا مِن أفضَلِ مايَركَبونَ ، أصابوا لَذَّةَ الدُّنيا مَعَ أهلِ الدُّنيا ، وهُم غَدا جيرانُ اللّهِ يَتَمَنَّونَ عَلَيهِ ، فَيُعطيهِم ما تَمَنَّوهُ ، ولا يَرُدُّ لَهُم دَعوَةً ولا يَنقُصُ لَهُم نَصيبا مِنَ اللَّذَّةِ . فَإِلى هذا يا عِبادَ اللّهِ يَشتاقُ إلَيهِ مَن كانَ لَهُ عَقلٌ ، ويَعمَلُ لَهُ بِتَقوَى اللّهِ ، ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ بِاللّهِ . ۱۳
1.غرر الحكم : ح ۸۵۲۳ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۴۵۰ ح ۸۰۰۰ .
2.التأمّل في مضمون الرواية يدل على منافاة كلمة «الزهد» لما يروم الإمام عليه السلام بيانه ، ولهذا فالذي يبدو هو أنّ هذه الكلمة من إضافة النسّاخ ، أو لعلّها تصحيف لكلمة «أهل» . والذي يؤيّد ما ذكرنا هو الرواية اللاحقة التي يمكن أن تعد المتن الأصلي لهذه الرواية ، حيث إنّها خالية من كلمة «الزهد» .
3.نهج البلاغة : الكتاب ۲۷ ، بحار الأنوار : ج ۳۳ ص ۵۸۱ ح ۷۲۶ .
4.النحل : ۳۰ .
5.العنكبوت : ۲۷ .
6.الزمر : ۱۰ .
7.يونس : ۲۶ .
8.هود : ۱۱۴ .
9.النبأ : ۳۶ .
10.سبأ : ۳۷ .
11.الحَضّ على الشيء : الحثّ على الشيء (النهاية : ج ۱ ص ۴۰۰ «حضض») .
12.الأعراف : ۳۲ .
13.الأمالي للمفيد : ص ۲۶۱ ح ۳ ، الأمالي للطوسي : ص ۲۵ ح ۳۱ ، بشارة المصطفى : ص ۴۴ كلّها عن أبي إسحاق الهمداني ، الغارات : ج ۱ ص ۲۳۴ عن عباية وكلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج ۷۰ ص ۶۶ ح ۱۱ وراجع تحف العقول : ص ۱۷۶ .