409
مختصر تفسير القمّي

فلمّا اشتدّ عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالرجال فكتّفوا، وكانوا سبع مائة، وأمر بالنساء والصبيان فعزلن.
وقامت الأوس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقالوا: يا رسول اللَّه، حلفاؤنا وموالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلّها، وقد وهبت لعبد اللَّه بن أبي سبع مائة دارع، وسبع مائة حاسر في صبيحة واحدة، ولسنا نحن بأقلّ من عبد اللَّه بن أبي. فلمّا أكثروا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال لهم: «أمّا ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟». فقالوا: بلى، فمن هو؟ قال: «سعد بن معاذ». قالوا: قد رضينا بحكمه، فأتوا به في محفّة ۱ على حمار، وكان مجروحاً، واجتمعت الأوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو، اتّق اللَّه، وأحسن في حلفائك ومواليك، فقد نصرونا ببعاث والحدائق ۲ والمواطن كلّها، فأكثروا عليه وهو ساكت لا يجيبهم.
فلمّا أكثروا عليه، قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في اللَّه لومة لائم.
فقالت الأوس: وا قوماه، ذهبت واللَّه بنو قريظة آخر الدهر. وبكت النساء والصبيان إلى سعد، ووضعت محفّته بين رسول اللَّه وبين اليهود، فلمّا سكتوا قال لهم سعد: يا معشر اليهود، أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى، قد رضينا بحكمك، وقد رجونا نصفك، ومعروفك، وحسن نظرك. فأعاد عليهم القول ثلاثاً، فقالوا: بلى، يا أبا عمرو.
فالتفت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إجلالاً له، فقال: ما ترى، بأبي أنت واُمّي، يا رسول اللَّه؟
قال: «اُحكم فيهم - يا سعد - فقد رضيت بحكمك فيهم».
فقال: قد حكمت - يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله - أن تقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، وتقسم غنائمهم بين المهاجرين والأنصار.
أقول: «الأنصار» لم يقل به أحد من المفسّرين.
فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «قد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة».

1.المحفّة: مركب من مراكب النساء كالهودج، إلّا أنّها لا تقبّب. الصحاح، ج ۴، ص ۱۳۴۵ (حفف).

2.بعاث والحدائق: موضعان عند المدينة، كانت فيهما وقعتان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام. اُنظر: الكامل في التاريخ، ج ۱، ص ۶۷۶ - ۶۸۰.


مختصر تفسير القمّي
408

المؤمنين عليه السلام، فقال: «بأبي أنت واُمّي - يا رسول اللَّه - لا تدن من الحصن».
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «يا عليّ، لعلّهم شتموني؟ إنّهم لو قد رأوني لأذلّهم اللَّه».
وأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على حمار، عليه قطيفة، وكان حول الحصن نخل كثير، فأشار إليه رسول اللَّه يمنة ويسرة، فتباعد عن الحصن وتفرّق في المفازة، ثمّ دنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله من حصنهم، فقال: «يا إخوة القردة والخنازير، وعبدة الطاغوت، أ تشتموني؟! إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم».
فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن، فقال: واللَّه - يا أبا القاسم - ما كنت جهولاً. فاستحيا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حتّى سقط الرداء عن ظهره حياء مما قال، وأنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله العسكر حول حصنهم، فحاصرهم فبقوا ثلاثة أيّام».
أقول: المشهور أنّهم بقوا اثنين وعشرين يوماً.
فلم يطلع منهم أحد رأسه، فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام نزل إليه غزال بن شمول، فقال: يا محمّد، تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النضير؟ إحقن دماءنا، ونخلي لك البلاد وما فيها، ولا نكتمك شيئاً.
فقال: «لا، أو تنزلون على حكمي».
فرجع، وبقوا أياماً، فبكت النساء والصبيان إليهم، وجزعوا جزعاً شديداً، ونادوا يا محمّد، إبعث إلينا أبا لبابة ۱ لنستشيره في أمرنا.
فقال: «سر إليهم»، فدخل الحصن فلمّا نظر إلى حُيي بن أخطب قال: أمّا ما دام هذا بينكم فلا تفلحون.
قالوا له: يا أبا لبابة ! ما ترى؟ قد أبي محمّد أن يزول عنا حتّى ننزل على حكمه؟
قال: إنزلوا على حكمه واعلموا أنّه الذبح، وأشار بيده إلى حلقه. ثمّ ندم وقال: خنت اللَّه ورسوله، وجاء كما هو إلى المدينة، فعقد في عنقه حبلاً وشدّه إلى الإسطوانة التي تسمّى: اسطوانة التوبة، وقال: لا أفتحه حتّى أموت أو يرضى اللَّه عنّي، فبلغ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فقال: لو أتانا لاستغفرنا له، فأمّا إذ قصد إلى ربّه فاللَّه أولى به.

1.هو أبو لبابة بن عبد المنذر، أخو بني عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 81918
صفحه از 611
پرینت  ارسال به