فلمّا اشتدّ عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالرجال فكتّفوا، وكانوا سبع مائة، وأمر بالنساء والصبيان فعزلن.
وقامت الأوس إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقالوا: يا رسول اللَّه، حلفاؤنا وموالينا من دون الناس نصرونا على الخزرج في المواطن كلّها، وقد وهبت لعبد اللَّه بن أبي سبع مائة دارع، وسبع مائة حاسر في صبيحة واحدة، ولسنا نحن بأقلّ من عبد اللَّه بن أبي. فلمّا أكثروا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال لهم: «أمّا ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟». فقالوا: بلى، فمن هو؟ قال: «سعد بن معاذ». قالوا: قد رضينا بحكمه، فأتوا به في محفّة ۱ على حمار، وكان مجروحاً، واجتمعت الأوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو، اتّق اللَّه، وأحسن في حلفائك ومواليك، فقد نصرونا ببعاث والحدائق ۲ والمواطن كلّها، فأكثروا عليه وهو ساكت لا يجيبهم.
فلمّا أكثروا عليه، قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في اللَّه لومة لائم.
فقالت الأوس: وا قوماه، ذهبت واللَّه بنو قريظة آخر الدهر. وبكت النساء والصبيان إلى سعد، ووضعت محفّته بين رسول اللَّه وبين اليهود، فلمّا سكتوا قال لهم سعد: يا معشر اليهود، أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى، قد رضينا بحكمك، وقد رجونا نصفك، ومعروفك، وحسن نظرك. فأعاد عليهم القول ثلاثاً، فقالوا: بلى، يا أبا عمرو.
فالتفت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إجلالاً له، فقال: ما ترى، بأبي أنت واُمّي، يا رسول اللَّه؟
قال: «اُحكم فيهم - يا سعد - فقد رضيت بحكمك فيهم».
فقال: قد حكمت - يا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله - أن تقتل رجالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم، وتقسم غنائمهم بين المهاجرين والأنصار.
أقول: «الأنصار» لم يقل به أحد من المفسّرين.
فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقال: «قد حكمت بحكم اللَّه من فوق سبع أرقعة».