407
مختصر تفسير القمّي

ثمّ قال لأصحابه: ارتحلوا، إنّا مرتحلون، فنفروا ۱ منهزمين، فلمّا أصبح رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، قال لأصحابه: «لا تبرحوا». فلمّا طلعت الشمس دخلوا المدينة، وبقي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في نفر يسير. ۲
[ ۲۶ - ۲۷ ] [قوله: «وأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقاً وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيارَهُمْ وأَمْوالَهُمْ وأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وكانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَىْ‏ءٍ قَدِيراً»]۳ فلمّا دخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المدينة واللواء معقود، أراد أن يخلع ثيابه ويغتسل من الغبار، فناداه جبرئيل: «عذيرك من محارب، واللَّه ما وضعت الملائكة لأمتها، فكيف تضع لأمتك؟ إنّ اللَّه يأمرك أن لا تصلّي العصر إلّا ببني قريظة، فإنّي متقدّمك، ومزلزل بهم حصنهم، إنّا كنا في آثار القوم نزجرهم زجراً حتّى بلغوا حمراء الأسد». ۴
فخرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فاستقبله حارثة بن النعمان، فقال له: «ما الخبر، يا حارثة؟».
قال: بأبي أنت واُمّي - يا رسول اللَّه - هذا دحية الكلبي ينادي في الناس: ألا لا يصلينّ العصر أحد إلّا في بني قريظة.
فقال: «ذلك جبرئيل، اُدعوا لي عليّاً».
فجاء عليّ عليه السلام، فقال له: «ناد في الناس: لا يصلينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة».
فجاء أمير المؤمنين عليه السلام، فنادى فيهم، فخرج الناس، فبادروا إلى بني قريظة.
و خرج رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، وأمير المؤمنين عليه السلام بين يديه مع الراية العظمى، وكان حُيي بن أخطب لمّا انهزمت قريش جاء ودخل حصن بني قريظة، وقد كان قال لكعب بن أسد: إن لم نظفر بمحمّد رجعت، فكنت معك يصيبني ما يصيبك، فرجع ودخل حصنه، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام وأحاط بحصنهم، فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن يشتمهم ويشتم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأقبل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على حمار، فاستقبله أمير

1.في «ط»: «ففرّوا».

2.روى نحوه في الكافي، ج ۸، ص ۲۷۷، ح ۴۲۰.

3.ما بين المعقوفتين من الأصل.

4.حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة. معجم البلدان، ج ۲، ص ۳۰۱.


مختصر تفسير القمّي
406

مجيب دعوة المضطرّين، ويا كاشف الكرب العظيم، أنت مولاي ووليّي ووليّ آبائي الأوّلين، اكشف عنّا غمّنا وهمّنا وكربنا، واكشف عنّا شرّ هؤلاء القوم بقوتك وحولك وقدرتك».
فنزل عليه جبرئيل عليه السلام، فقال: «يا محمّد، إنّ اللَّه قد سمع مقالتك، وأجاب دعوتك، وأمر الدبور - وهي الريح - مع الملائكة أن تهزم قريشاً والأحزاب».
وبعث اللَّه على قريش الدبور، فانهزموا وقلعت أخبيتهم، فنزل جبرئيل عليه السلام، فأخبره بذلك، فنادى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حذيفة بن اليمان، وكان قريباً منه، فلم يجبه، ثمّ ناداه ثانياً فلم يجبه، ثمّ ناداه الثالثة، فقال: لبيك يا رسول اللَّه. قال: «أدعوك فلا تجيبني؟».
قال: لا تلمني يا رسول اللَّه - بأبي أنت وأمّي - من الخوف والبرد والجوع.
فقال: «إنّ اللَّه بعث على قريش الريح فهزمهم، فادخل في القوم، وائتني بأخبارهم، ولا تحدثنّ حدثاً حتّى ترجع إليّ».
قال حذيفة: فمضيت وأنا انتفض من البرد، فو اللَّه ما كان إلّا بقدر ما جزت الخندق حتّى كأني في حمام، فقصدت خباءً عظيماً، فإذا نار تخبوا وتوقد، وإذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلّى خصيتيه على النار وهو ينتفض من شدّة البرد، ويقول: يا معشر قريش، إن كنّا نقاتل أهل السماء بزعم محمّد فلا طاقة لنا بأهل السماء، وإن كنا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم، ثمّ قال: لينظر كلّ رجل منكم إلى جليسه لا يكون لمحمّد عين فيما بيننا.
فقال حذيفة: فبادرت أنا، فقلت للذي عن يميني: من أنت؟ فقال: أنا عمرو بن العاص. ثمّ قلت للذي عن يساري: من أنت؟ قال: أنا معاوية، وإنّما بادرت إلى ذلك لئلّا يسألني أحد منهم: من أنت؟
ثمّ ركب أبو سفيان راحلته وهي معقولة، ولولا أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: «لا تحدثنّ حدثاً حتّى ترجع إليّ» لقدرت أن أقتله، ثمّ قال أبو سفيان لخالد بن الوليد: يا أبا سليمان، لا بدّ من أن أقيم أنا أو أنت على ضعفاء الناس. فقال خالد: أنا أقيم.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 81966
صفحه از 611
پرینت  ارسال به