مصر، وحرّمها عليهم أربعين سنة، وكان بينهم وبين مصر أربع فراسخ، فكانوا يركبون من أوّل الليل، فلا يزالون يأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء، فإذا أصبحوا دارت بهم الأرض إلى مكانهم الذي خرجوا منه، وإنّما دخلها أبناءهم.
وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم ۱ في التوبة، وكان موسى يحبّه، فدخل عليه موسى، فقال له: يا قارون، قومك في التوبة وأنت قاعد عنها؟! ادخل معهم، وإلّا أنزل اللَّه بك العذاب. فاستهان به، واستهزأ بقوله، فخرج موسى من عنده مغتمّاً، فجلس في فناء قصره، وعليه جبّة من شعر، ونعلان من جلد حمار، شراكهما من خيوط شعر، بيده العصا، فأمر قارون أن يصبّ عليه رماداً قد خلط بالماء، فصُبّ عليه، فغضب موسى غضباً شديداً. وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى: يا ربّ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبيّ.
أقول: هذا لا يقوله الأنبياء؛ لأنّهم معصومون، وهذا يدلّ على ما لايخفى على عاقل، وكثيراً مّا يقول في هذا الكتاب مثل هذا الكلام المحال وينسبها إلى أهل البيت الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وهو باطل.
فأوحى اللَّه إليه: قد أمرت الأرض ۲ أن تطيعك، فمرها بما شئت.
وقد كان قارون قد أمر أن تغلق أبواب القصر، فأقبل موسى، فأومأ إلى الأبواب فانفتحت، فدخل عليه، فلمّا نظر إليه قارون علم أنّه قد اُوتي بالعذاب، فقال: يا موسى، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك. فقال له موسى: يا ابن لاوي، لا تزدني من كلامك، يا أرض خذيه.
فدخل القصر بما فيه في الأرض، ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه. فبكى وحلفه بالرحم، فقال موسى: يا أرض خذيه.
فدخل في الأرض، ووكّل اللَّه به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة، وهو قوله: «فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأَرْضَ».
روى عن العالم: أنّه لمّا قضى أوحى اللَّه إلى موسى: ياموسى إعهد عهدك فقد انقضى أجلك.