375
مختصر تفسير القمّي

مصر، وحرّمها عليهم أربعين سنة، وكان بينهم وبين مصر أربع فراسخ، فكانوا يركبون من أوّل الليل، فلا يزالون يأخذون في قراءة التوراة والدعاء والبكاء، فإذا أصبحوا دارت بهم الأرض إلى مكانهم الذي خرجوا منه، وإنّما دخلها أبناءهم.
وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم ۱ في التوبة، وكان موسى يحبّه، فدخل عليه موسى، فقال له: يا قارون، قومك في التوبة وأنت قاعد عنها؟! ادخل معهم، وإلّا أنزل اللَّه بك العذاب. فاستهان به، واستهزأ بقوله، فخرج موسى من عنده مغتمّاً، فجلس في فناء قصره، وعليه جبّة من شعر، ونعلان من جلد حمار، شراكهما من خيوط شعر، بيده العصا، فأمر قارون أن يصبّ عليه رماداً قد خلط بالماء، فصُبّ عليه، فغضب موسى غضباً شديداً. وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى: يا ربّ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبيّ.
أقول: هذا لا يقوله الأنبياء؛ لأنّهم معصومون، وهذا يدلّ على ما لايخفى على عاقل، وكثيراً مّا يقول في هذا الكتاب مثل هذا الكلام المحال وينسبها إلى أهل البيت الأئمّة المعصومين عليهم السلام، وهو باطل.
فأوحى اللَّه إليه: قد أمرت الأرض ۲ أن تطيعك، فمرها بما شئت.
وقد كان قارون قد أمر أن تغلق أبواب القصر، فأقبل موسى، فأومأ إلى الأبواب فانفتحت، فدخل عليه، فلمّا نظر إليه قارون علم أنّه قد اُوتي بالعذاب، فقال: يا موسى، أسألك بالرحم الذي بيني وبينك. فقال له موسى: يا ابن لاوي، لا تزدني من كلامك، يا أرض خذيه.
فدخل القصر بما فيه في الأرض، ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه. فبكى وحلفه بالرحم، فقال موسى: يا أرض خذيه.
فدخل في الأرض، ووكّل اللَّه به ملكاً يدخله في الأرض كلّ يوم قامة، وهو قوله: «فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الأَرْضَ».
روى عن العالم: أنّه لمّا قضى أوحى اللَّه إلى موسى: ياموسى إعهد عهدك فقد انقضى أجلك.

1.في «ب» و «ج»: «أن يدخل معهم».

2.في «ب» و «ج»: «السماء والأرض».


مختصر تفسير القمّي
374

[ ۸۰ ] قوله: «قالَ الَّذِينَ أُوتُوا العلمَ» يعني: الخلّص من أصحاب موسى: «وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً ولا يُلَقَّاها» يعني: هذا القول «إلّا الصَّابِرُونَ»».
[ ۸۱ ] قوله: «فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارِهِ الارْضَ»، كان سبب هلاك قارون: أنّه لمّا أخرج موسى بني إسرائيل من مصر، وأنزلهم البادية، قالوا: أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى الخراب، فكان تجي‏ء بالنهار غمامة تظلّهم من الشمس، ويسقط على ثيابهم بالليل العسل، فيأكلونه بالغداة وبالعشي يصفّون الموائد فيجي‏ء طائر مشوي فيقع على موائدهم فيأكلونه، فإذا شبعوا طار الطائر، وكان يضع حجراً وسط العسكر فيضربه بعصاه، فينفجر منه اثنتا عشرة عيناً، فقال لهم موسى: كلوا واشربوا واعبدوا اللَّه هاهنا، فقد كفاكم ما تحتاجون إليه، وكان قارون منهم، وكان يقرأ التوراة، ولم يكن فيهم أحسن صوتاً منه ۱ ، وكان يسمى: «المنوَّر»؛ لحسن قراءته.
وكان موسى قد وعده أن يزوّجه كلثوم ۲ بنت عمران، فبنى هناك قارون قصراً، واتّخذ فيه مصانع، وجعل يعمل الكيمياء، وجمع من الأموال ما حكاه اللَّه عنه. فطغى وبغى.
فلمّا طال الأمر على بني إسرائيل في ذلك المكان اجتمعوا إلى موسى وقالوا: «لَنْ نَصْبِرَ عَلى‏ طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّك يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الارْضُ مِنْ بَقْلِها وقِثَّائِها وفُومِها وعَدَسِها وَ بَصَلِها» ۳، قال لهم موسى: «أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِى هُوَ أَدْنى‏ بِالَّذِى هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ» ۴، فقالوا كما حكى اللَّه: «إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها» ۵. ثمّ قالوا لموسى: «فَاذْهَبْ أَنْتَ ورَبُّك فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» ۶.
فغضب موسى وأخذ بيد هارون وخرج من بينهم، وقال: «رَبِّ إِنِّى لاَ أَمْلِكُ إلّا نَفْسِى وَأَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» ۷، فلمّا علموا بخروج موسى عنهم صرخوا وبكوا وقالوا: اسأل اللَّه أن يتوب علينا، فقال اللَّه: قد تبت عليهم، وجعلت توبتهم أن يدخلوا

1.في «ب» و «ج»: «ولم يكن فيهم أقرأ للتوراة منه».

2.في بعض النسخ: «كلثم».

3.البقرة (۲): ۶۱.

4.المائدة (۵): ۲۲.

5.المائدة (۵): ۲۴.

6.المائدة (۵): ۲۵.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82353
صفحه از 611
پرینت  ارسال به