[ ۵۱ - ۷۰ ] قوله: «وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ» إلى قوله تعالى: «بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ». كان إبراهيم ينهى أباه وقومه عن عبادة الاصنام.
أقول: إنّ أبا إبراهيم لم يكن كافراً، وكان إسمه «تارخ» بإجماع أهل الملل، وأمّا «آزر»، فكان إمّا جدّ اُمّه، وإمّا مربّيه، وقيل غير ذلك.
ويقول: أتعبدون خشبة تنحتونها بأيديكم، لا تنفع ولا تضرّ، ولا تسمع ولا تبصر؟ فكانوا يقولون: «وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ» فيقول: «لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُم وَآبَاؤُكُمْ فِى ضَلاَلٍ مُبِينٍ»، ثمّ حضر عيدٌ لهم، فخرج نمرود، وجميع أهل مملكته إلى عيدهم، وكره أن يخرج معه إبراهيم، فوكله ببيت الأصنام، فلمّا ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت الأصنام، فكان يدنو من صنم صنم، ويقول له: كل وتكلّم، فإذا لم يجبه أخذ القدّوم ۱ فكسر يده ورجله، حتّى فعل ذلك بجميع الأصنام، ثمّ علق القدّوم في عنق الكبير منهم، الذي كان في الصدر.
فلمّا رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسّرة، فقالوا: «مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ»، وهو ابن آزر، فجاءوا به إلى نمرود، فقال نمرود لآزر: خنتني، وكتمت هذا الولد عني؟
فقال: أيها الملك، هذا عمل اُمّه، وذكرت أنها تقوم بحجّتها.
فدعا نمرود اُمّ إبراهيم، فقال لها: ما حملك على أن كتمتني أمر هذا الغلام حتّى فعل بآلهتنا ما فعل؟
فقالت: أيها الملك، نظراً منّي لرعيّتك.
قال: وكيف ذلك؟
قالت: رأيتك تقتل أولاد رعيّتك، فكان يذهب النسل، فقلت: إن كان هذا الذي يطلبه دفعته إليه ليقتله، ويكف عن قتل أولاد الناس، وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا، وقد ظفرت به، فشأنك، وكفّ عن أولاد الناس، فصوّب رأيها، ثمّ قال لإبراهيم عليه السلام: «مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا يا إبراهيم»؟ قال عليه السلام: «فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ».