اُخرى، فاستقوا وشربوا، وقال: «هذه بلاد ملعونة، مخسوف بها، وهو قوله: «كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ»...الآية ۱ ، وهي هذه البلاد».
[ ۱۱۷ ] وقد كان تخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوم من المنافقين، وقوم من المؤمنين مستبصرين، منهم: كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن اُميّة الواقفي ۲ . فلمّا وافى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أقبلوا يهنّئونه بالسلامة، وسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم السلام، وأعرض عنهم، قال مالك: سلّمنا على إخواننا فلم يردّوا علينا السلام، فجاء نسائهم إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فقلن: قد بلغنا سخطك على أزواجنا، أ فنعتزلهم؟ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «لا، ولكن لا يقربوكنّ».
فخرجوا إلى الجبل، فقالوا: لا نزال فيه حتّى يتوب اللَّه علينا أو نموت. فخرجوا إلى ذناب ۳ جبل بالمدينة، فكانوا يصومون، وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية، ثمّ يولّون عنهم فلا يكلّمونهم، فبقوا على هذا أيّاماً كثيرة يبكون بالليل والنهار، ويدعون اللَّه أن يغفر لهم. فلمّا طال عليهم الأمر، قال لهم كعب: يا قوم، قد سخط اللَّه علينا ورسوله، وقد سخط علينا أهلونا وإخواننا، فلا يكلّمنا أحد، فلم لا يسخط بعضنا على بعض؟
فتفرّقوا في الجبل ۴ ، وحلفوا أن لا يكلّم أحد منهم صاحبه حتّى يموت أو يتوب اللَّه عليه، فبقوا على ذلك ثلاثة أيّام، وكلّ واحد منهم في ناحية من الجبل، لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلّمه، فلمّا كان في الليلة الثالثة ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في بيت اُمّ سلمة نزلت توبتهم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله. وهي قوله: «لَقَد تَابَ اللّهُ»...الآية، وإنّما هي: (لَقَد تَابَ اللّهُ) بالنَّبِىِّ عَلَى (الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِمَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) أي: لمّا تابوا، وهم: أبوذرّ وأبو خثيمة وعمر