213
مختصر تفسير القمّي

المدينة، وأقبلوا يرجفون برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله.
وجاء البكّاءون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وهو بثنية الوداع، وهم سبعة من بني عمرو بن عوف، منهم: سالم بن عمير، قد شهد بدراً، لا اختلاف فيه، ومن بني واقف: هرمي بن عمير ۱ ، ومن بني حارثة: عليّة بن زيد ۲ ، وهو الذي تصدّق بعرضه ۳ [وذلك أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أمر بصدقة، فجعل الناس يأتون بها، فجاء عليّة] ۴ فقال: يا رسول اللَّه، واللَّه ما عندي ما أتصدّق به، وقد جعلت عرضي حلاًّ. فقال له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قد قبل اللَّه صدقتك».
ومن بني مازن بن النجار: أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، ومن بني سلمة: عمرو بن غنمة، ومن بني زريق: سلمة بن صخر ۵ ، ومن بني سليم [ ابن منصور] ۶ : العرباض بن سارية السلمي.
فجاءوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يبكون [فقالوا: يا رسول اللَّه، ليس بنا قوّة أن نخرج معك‏]. ۷ فأنزل اللَّه فيهم: «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى‏»...الآية، والمستأذنون ثمانون رجلاً، قال: [وإنّما سألوا هؤلاء البكّاؤن نعلاً يلبسونها]». ۸
وتخلّف عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوم من أهل الثبات والبصائر، لم يكن تخلّفهم شكّاً ولا ارتياباً، ولكنّهم قالوا: نلحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، منهم: أبو خيثمة ۹ ، ركب راحلته، فلمّا كان

1.ما بين المعقوفتين من الأصل.

2.اُنظر: الاختلاف في اسمه ولقبه في المحبّر، ص ۲۸۱؛ اُسد الغابة، ج ۵، ص ۵۸؛ الإصابة، ج ۳، ص ۶۰۱، ۶۱۵.

3.في «ط»: «ومن بني جارية علية بن يزيد». والصواب ما في المتن، وهو: علبة بن زيد بن صيفي من بني حارثة، يعدّ في أهل المدينة، ترجم له في اُسد الغابة، ج ۴، ص ۱۰؛ الإصابة ۲، ص ۴۹۹، وذكرا أنّه أحد البكّائين وهو الذي تصدّق بعرضه. وفي المحبّر، ص ۲۸۱: علبة بن صيفي بن عمرو بن زيد.

4.العرض: موضع المدح والذمّ من الإنسان. وتصّدقت بعرضي: أي تصدّقت به علي من ذكرني بما يرجع إليّ عيبه. النهاية، ج ۳، ص ۲۰۹.

5.الظاهر من المحبّر، ص ۲۸۱؛ وجمهرة أنساب العرب، ص ۳۵۶؛ واُسد الغابة، ج ۲، ص ۳۳۷ أنّه ليس من بني زريق، بل من ولد الحارث بن زيد مناة، حلفاء بني بياضة.

6.أثبتناه من المحبّر، ص ۲۸۱.

7.رواه البحراني في البرهان، ج ۲، ص ۸۲۴، عن تفسير القمّي. وراجع أيضاً الكافي، ج ۱، ص ۱۲۶، ح ۴. و ما بين المعقوفتين من تفسير القمّي.

8.وكان قويّاً، وكانت له زوجتان وعريشتان، وكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه، وبردتا له الماء، وهيّأتا له طعاماً، فأشرف على عريشته، فلمّا نظر إليهما، قال: لا واللَّه، ما هذا بإنصاف، رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله قد غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قد خرج في الضحّ والريح، وقد حمل السلاح يجاهد في سبيل اللَّه، وأبو خيثمة قويّ قاعد في عريشته وامرأتين حسناوين، لا واللَّه، ما هذا بإنصاف. ثمّ أخذ ناقته فشدّ عليها رحله، و ركب داخلته... . والعريش: ما يستظلّ به. والضحّ: الشمس. الصحاح، ج ۳، ص ۱۰۱۰ (عرش) و ج ۱، ص ۳۸۵ (ضحح).


مختصر تفسير القمّي
212

لعلّك أن تستحفد ۱ من بنات الأصفر ۲ ؟».
فقال: يا رسول اللَّه، واللَّه إنّ قومي ليعلمون أن ليس فيهم أحد أشدّ عجباً بالنساء منّي، وأخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر، فلا تفتنّي، وائذن لي أن أقيم.
و قال لقومه: ويلكم لا تخرجوا ۳ في الحرّ. فعنّفه ابنه: [تردّ على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وتقول له ما تقول، ثمّ تقول لقومك: لا تنفروا في الحرّ، واللَّه لينزلنّ اللَّه في هذا قرآناً يقرؤه الناس إلى يوم القيامة. فأخذ نعله وضرب به وجه ابنه، فأنزل اللَّه: «وَمِنْهُم مَن يَقُولُ ائْذَن لِى وَلاَ تَفْتِنِّي» ۴.
ثمّ قال: أترى أنّ محمّداً يرى أنّ حرب الروم مثل حرب غيرهم، لا يرجع من هؤلاء أحدٌ أبداً، فأنزل اللَّه: «إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ»...الآية. ۵
فلمّا اجتمع لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله الخيول ارتحل من ثنية الوداع، وخلّف أمير المؤمنين عليه السلام على المدينة، فأرجف المنافقون بعليّ عليه السلام، فقالوا: ما خلّفه إلّا تشاؤماً به وكرهاً له. فبلغ ذلك عليّاً، فأخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالجرف، فقال له رسول اللَّه: «يا عليّ، ألم أخلّفك على المدينة؟».
قال: «نعم، ولكنّ المنافقين زعموا أنّك خلّفتني تشاؤماً بي».
فقال: «كذب المنافقون - يا عليّ - أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخاك بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ۶ ، وأنت خليفتي في اُمّتي، وأنت وزيري وأنت وصيّي وأخي في الدنيا والآخرة».
فرجع عليّ عليه السلام إلى المدينة. ۷
فلمّا ارتحل من ثنية الوداع رجع عبد اللَّه بن اُبي بمن كان معه من المنافقين إلى

1.حفد: خدم، وقوله: تستحفد، أي تجعلهنّ حفدة لك، أي أعواناً وخدماً.

2.بنو الأصفر: ملوك الروم.

3.في «ب» و «ج»: «ويحكم لا تنفروا».

4.التوبة (۹): ۴۹.

5.رواه البحراني في البرهان، ج ۲، ص ۷۸۶، عن تفسير القمّي.

6.في «ط»: زيادة: «وإن كان بعدي نبيّ لقلت أنت».

7.رواه البحراني في البرهان، ج ۲، ص ۸۲۳، عن تفسير القمّي.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82016
صفحه از 611
پرینت  ارسال به