185
مختصر تفسير القمّي

أقول: وقال ابن أبي الحديد: إنّه أسلم بعد ستّ سنين من أسره ۱ ، وقال أيضاً: قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه اللَّه هذا الخبر، فقال: أترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد ۲ لمّا جاءت فاطمة الزهراء تدّعي أنّ أباها وهب لها فدك، ۳ وأقامت بيّنة بذلك، فحجبها وردّها وكربها؟ أمّا كان يقتضي التكريم والإحسان أن يطيّب قلب فاطمة بفدك، ويستوهب لها من المسلمين، أتقصر منزلتها عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عن منزلة زينب اُختها، وهي سيّدة نساء العالمين؟ ۴
والتحقيق: أنّ هذا الردّ كان على اللَّه، حيث يقول: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ» ۵...الآية، وتكذيب له.
وروي: أنّ قريشاً بعثته في عيرها بعد بدر، فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوماً أخذوا العير وأسروا أبا العاص وأدخلوه المدينة، فبعث إلى زينب فاستغاث بها، فلمّا صلّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله صلاة الفجر ۶ أخرجت زينب رأسها من حجرتها، وقالت: يا معاشر المسلمين، إنّي قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قد سمعتم ما سمعنا؟» قالوا: نعم، قال رسول اللَّه: «ما علمت ولا أمرت به، وقد أجرنا من أجارت، ولا تجيروا بعده إمرأة»، فلمّا قدم أبو العاص على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خلّى سبيله ولم يعرض لمّا كان معه من عير قريش، ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ما تستحي، قد اُسرت مرّتين وأنت مقيم على الكفر؟» فقال أبو العاص: يارسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّك رسول اللَّه، ثمّ قال: إنّ

1.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱۴، ص ۱۹۶.

2.في «ب»: «حاضرين هذه القضية».

3.فدك: قريبة بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، أفاءها اللَّه على رسوله في سنة سبع صلحاً، وذلك أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله لمّا نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلّا ثلث واشتدّ بهم الحصار، راسلوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى رسول اللَّه أن يصالحهم على النصف من ثمارها وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله. معجم البلدان، ج ۶، ص ۳۴۳.

4.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱۴، ص ۱۹۰ - ۱۹۱.

5.الأحزاب (۳۳): ۳۳.

6.في «ب»: «الصبح».


مختصر تفسير القمّي
184

إليه، فقالوا: يا رسول اللَّه، قتلنا سبعين، وأسرنا سبعين، وهم قومك واُسرتك، ۱ هبهم لنا يا رسول اللَّه، وخذ منهم الفداء. فنزل عليه: «ما كانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى‏» ۲...الآية. ۳
أقول: وأهل السنّة يقولون: إنّ أبا بكر هو الذي أشار بالفداء، وعمر هو الذي أشار بالقتل ۴ ، وسياق الكلام يدلّ على صحّة ما في الكتاب.
فأطلق لهم ذلك، وشرط عليهم أن يأخذ منهم الفداء ويطلقهم على أن يستشهد منهم في القابل بعدد من أخذوا منهم الفداء، فرضوا بذلك، فلمّا كان يوم اُحد قتل منهم سبعون، فجزعوا وقالوا: ما هذا الذي أصابنا؟ فأنزل اللَّه: «أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا» ۵...الآية، وكان أكبر الفداء أربعة ألف درهم، وأقلّه ألف درهم ». ۶
وبعثت زينب بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في فداء زوجها أبي العاص بن الربيع قلادة لها، كانت خديجة - رضي اللَّه عنها - جهّزتها بها حين أدخلتها عليه بمكّة، فلمّا رآها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قال: «رحم اللَّه خديجة، هذه قلادتها هي جهّزتها بها»، ثمّ قال: «يا معشر المهاجرين والأنصار، هبوا لزينب زوجها وردّوا إليها قلادتها». فقالوا: قد فعلنا يا رسول اللَّه، وأنت أولى بذلك، فأطلقه، وقال: إطلاقك بشرط أن تبعث اليّ زينب، ولا تمنعها اللحاق بي، فعاهده على ذلك ۷ [وقد كان قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: كيف تثق بضمان كافر؟ فقال رسول اللَّه: إنّه ليفي‏] ۸ لقد صاهرنا أبا العاص وحمدنا مصاهرته، ولقد كان يجيئنا بالبعير ۹ في جوف الليل ونحن محاصرون في الشعب، فيهتف بها حتّى تدخل الشعب، ثمّ يتركه وينصرف‏[ فكنّا نأخذ ذلك الحمل الذي على البعير فنفرّقه على جماعة من بني هاشم‏] ۱۰ وردّ عليه ما بعثت به زينب، ورجع على دينه إلى قريش.

1.في الأصل: «واسراؤك».

2.الأنفال (۸): ۶۷- ۶۹.

3.وقد تقدّم التفصيل عن حرب اُحد في تفسير الآية ۱۲۱ و ۱۶۵ من سورة آل عمران (۳) فراجع.

4.اُنظر: مسند أحمد، ج ۱، ص ۳۱.

5.آل عمران (۳): ۱۶۵.

6.رواه البحراني في البرهان، ج ۲، ص ۶۴۸ - ۶۵۸، عن تفسير القمّي.

7.في «ب» زيادة: «ووفى له».

8.ما بين المعقوفتين من الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي، ج ۱، ص ۶۶.

9.في «ب»: «يعمد الى بعير».

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82361
صفحه از 611
پرینت  ارسال به