أقول: وقال ابن أبي الحديد: إنّه أسلم بعد ستّ سنين من أسره ۱ ، وقال أيضاً: قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي رحمه اللَّه هذا الخبر، فقال: أترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد ۲ لمّا جاءت فاطمة الزهراء تدّعي أنّ أباها وهب لها فدك، ۳ وأقامت بيّنة بذلك، فحجبها وردّها وكربها؟ أمّا كان يقتضي التكريم والإحسان أن يطيّب قلب فاطمة بفدك، ويستوهب لها من المسلمين، أتقصر منزلتها عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله عن منزلة زينب اُختها، وهي سيّدة نساء العالمين؟ ۴
والتحقيق: أنّ هذا الردّ كان على اللَّه، حيث يقول: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ» ۵...الآية، وتكذيب له.
وروي: أنّ قريشاً بعثته في عيرها بعد بدر، فأرسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قوماً أخذوا العير وأسروا أبا العاص وأدخلوه المدينة، فبعث إلى زينب فاستغاث بها، فلمّا صلّى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله صلاة الفجر ۶ أخرجت زينب رأسها من حجرتها، وقالت: يا معاشر المسلمين، إنّي قد أجرت أبا العاص بن الربيع، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «قد سمعتم ما سمعنا؟» قالوا: نعم، قال رسول اللَّه: «ما علمت ولا أمرت به، وقد أجرنا من أجارت، ولا تجيروا بعده إمرأة»، فلمّا قدم أبو العاص على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله خلّى سبيله ولم يعرض لمّا كان معه من عير قريش، ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «ما تستحي، قد اُسرت مرّتين وأنت مقيم على الكفر؟» فقال أبو العاص: يارسول اللَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّك رسول اللَّه، ثمّ قال: إنّ
1.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱۴، ص ۱۹۶.
2.في «ب»: «حاضرين هذه القضية».
3.فدك: قريبة بالحجاز، بينها وبين المدينة يومان، أفاءها اللَّه على رسوله في سنة سبع صلحاً، وذلك أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله لمّا نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلّا ثلث واشتدّ بهم الحصار، راسلوا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى رسول اللَّه أن يصالحهم على النصف من ثمارها وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله. معجم البلدان، ج ۶، ص ۳۴۳.
4.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۱۴، ص ۱۹۰ - ۱۹۱.
5.الأحزاب (۳۳): ۳۳.
6.في «ب»: «الصبح».