فقال عتبة بن ربيعة: أ ترى لهم كميناً ومدداً؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي، وكان فارساً شجاعاً، فجال بفرسه حتّى طاف على عسكر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، ثمّ صعد الوادي وصوّت، ثمّ رجع إلى قريش، فقال: ما لهم كمين ولا مدد، ولكن نواضح ۱ يثرب قد حملت الموت الناقع، أمّا ترونهم خرساً لا يتكلّمون، يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم، وما أراهم يولّون حتّى يُقْتَلوا، ولا يُقْتَلون حتّى يَقْتُلوا بعددهم فارتأوا رأيكم. فقال أبو جهل: كذبت وجبنت، وانتفخ سحرك ۲ حين نظرت إلى سيوف يثرب.
وفزع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله حين نظروا إلى كثرة قريش وقوّتهم، فأنزل اللَّه على رسوله: «وإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» ۳ وقد علم اللَّه أنّهم لا يجنحون ولا يجيبون إلى السلم، وإنّما أراد سبحانه بذلك تطييب قلوب أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله.
فبعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إلى قريش، فقال: «يا معشر قريش، ما أحد من العرب أبغض إليّ من أن أبدأكم ۴ ، فخلّوني والعرب، فإن أك صادقاً فأنتم على عيني، وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري، فارجعوا».
فقال عتبة: واللَّه، ما ردّ هذا قطّ قوم فأفلحوا، إرجعوا إلى مكّة، فإن محمّدا له إلٌّ ۵ وذمّة، وهو ابن عمّكم، فارجعوا ولا تردّوا رأيي، وإنّما تطالبون محمّداً بالعير التي أخذوها بنخلة، ودم ابن الحضرمي ۶ وهو حليفي وعليّ عقله.
فلمّا سمع أبو جهل ذلك غاضه، وقال: يا عتبة، نظرت إلى سيوف بني عبد المطلب فجبنت وانتفخ سحرك.
فقال عتبة: يا مصفرّاً اُسته، أ مثلي يجبّن، ستعلم قريش اليوم أيّنا ألأم وأجبن، وأيّنا المفسد لقومه، فنظر عتبة إلى أخيه شيبة، فقال: قم يا شيبة، ونظر إلى ابنه الوليد، فقال:
1.الناضح: البعير يستقى عليه، والجمع: نواضح. الصحاح، ج ۱، ص ۴۱۱ (نضح).
2.انتفخ سحرك: أي رئتك، يقال ذلك للجبان. النهاية، ج ۲، ص ۳۴۶.
3.الأنفال (۸): ۶۱.
4.في «ب»: «من إتيانكم».
5.الإلّ: القرابة القريبة.
6.راجع تفصيل الواقعة في تفسير الآية ۲۱۷ من سورة البقرة.