حتّى وقف عليه، فلمّا رآه وقد فعل به ما فعل استعبر وقال: واللَّه ما وقفت موقفاً قطّ أغيظ عليّ من هذا الموقف، لئن أمكنني اللَّه من قريش لأمثلنّ بسبعين ۱ رجلاً منهم، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ» ۲، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: «بل أصبر».
وألقى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله على حمزة بردة كانت عليه، إذا مدّها على رأسه بدت رجلاه، وإذا مدّها على رجليه بدا رأسه، فمدّها على رأسه وألقى على رجليه الحشيش ۳ ، ثمّ قال: لولا أنّي اُحزن ۴ نساء بني عبد المطلب لتركته للسباع والعافية ۵ حتّى يحشر يوم القيامة من بطون السباع والطير.
ثمّ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: من له علم بسعد بن الربيع؟
فقال رجل: أنا أطلبه، فجاء إليه وهو صريع بين القتلى، فقال: يا سعد، فلم يجبه، فقال: يا سعد إنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد سأل عنك.
فرفع رأسه وقال: وإنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لحيّ؟
قلت: نعم.
قال: أبلغ قومي الأنصار السلام، وقل لهم: ما للمرء عند اللَّه عذر وتشوك رسول اللَّه شوكة وفيكم عين تطرف، ثمّ تنفّس فخرج منه مثل دم الجزور، وقضى رحمه اللَّه عليه. فجئت إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فأخبرته فقال: رحم اللَّه سعداً، نصرنا حياً وأوصى بنا ميّتاً.
ونادى أبو سفيان: موعدنا وموعدكم في عام قابل نجتمع فيه ببدر، فنقتتل، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لعليّ عليه السلام: «قل: نعم».
وتراجع أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وأقبلوا يعتذرون إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله، فأحبّ اللَّه أن يعرّف رسوله مَن الصادق منهم ومَن الكاذب، فأنزل اللَّه عليهم النعاس على الصادقين مع ما بهم من الألم والجراح حتّى كانوا يسقطون إلى الأرض، بخلاف المنافقين ۶ وهو
1.في «ج»: «لأقتلنّ سبعين».
2.النحل (۱۶): ۱۲۶.
3.في «ص»: «الخيش». وفي هامش «ص»: «الحشيش».
4.كذا في «ق». وفي «ط»: «احذر».
5.في «ب» و «ج»: «للعاقبة». وفي الأصل: «للعادية». وفي هامش «ص»: «للعاوية».
6.في الأصل زيادة: «الذين يكذبون، لا يستقرّون قد طارت عقولهم وهم يتكلّمون بكلام لا يفهم عنهم».