فوضعتها في الموضع الذي جلست فيه لقضاء الحاجة، ثمّ رجعت إلى الهودج وقد نسيت القلادة، فذهبت تطلبها فأبطأت، وسكنت الريح، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله بالرحيل، فرجعت إلى الرحل وقد ارتحل الناس، فقعدت على الطريق، وكان رسول اللَّه جعل على الساقة ۱ صفوان بن المعطل، فأقبل صفوان، فرأى سواداً على الطريق ۲ ، فقال: من هذا؟
قالت: أنا عائشة. فاسترجع، ثمّ قال: ما شأنك؟
قالت: نزلت لحاجة فرحل العسكر.
فنزل عن راحلته، وعصب عينيه بعمامته فقال: اركبي فركبت، فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المنزل، وفقدت ۳ عائشة، فاضطرب العسكر، فنظروا إلى صفوان قد أقبل وعائشة على راحلته، فقال لها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله: ما شأنك؟
فقالت: يارسول اللَّه، كيت وكيت. فصدّقها ولم يتّهمها، وكان عبد اللَّه بن اُبيّ في العسكر، وكان يألفه أهل الحاجة ۴ والمنافقون، وكان رجلاً سخيّا بالطعام، فدخل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله المدينة، وأقبل الناس يتحدّثون بخبر عائشة وتخلّفها عن العسكر، وبلغ رسول اللَّه ذلك فغمّه، فدعا أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: ما تقول فيما يقول الناس في عائشة؟
فقال: يا رسول اللَّه، أعيذك باللَّه، ما كان اللَّه ليبلي ۵ رسوله بمثل هذا.
فسأل اُمّ سلمة فقالت مثل ذلك، فنزلت هذه الآية، ونزل فيما قال أمير المؤمنين واُمّ سلمة: «لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ». ۶
وروت الخاصّة: أنّ هذه الآيات نزلت في مارية القبطية، اُمّ إبراهيم [وما رمتها به
1.للساقة الجيش: مؤخّره لسان العرب، ج ۱۰، ص ۱۶۷ (سوق).
2.في «ج»: «الجادة».
3.كذا فى النسخ، والظاهر: «افتقد».
4.أي: الفقراء والمساكين.
5.في «ب» و «ج»: «ليبلو».
6.راجع تفصيل هذه القصّة في المعجم الكبير للطبراني، ج ۲۳، ص ۱۱۸ - ۱۱۹ ولكن الصحيح هو ما سيذكره المؤلّف من أنّها نزلت فى مارية القبطية ومارمتها به بعض المنافقات، وهناك قول ذكر ابن العتائقى في هذا المختصر في تفسير الآيه (۶) من سورة الحجرات (۴۹) عن العامّة أنّ آية الإفك نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، حينما بعثه رسول اللَّه مصدّقا، وعلى تقدير أنّها نزلت في عائشة وبراءتها فإنّها لا تدلّ على مكانةٍ لها عند اللَّه، بل هي على إظهار طهارة البيت المنتسب إلى رسول اللَّه وطهارة أزواج النبيّ أظهر.