313
مختصر تفسير القمّي

[ ۵۱ - ۷۰ ] قوله: «وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ» إلى قوله تعالى: «بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ». كان إبراهيم ينهى أباه وقومه عن عبادة الاصنام.
أقول: إنّ أبا إبراهيم لم يكن كافراً، وكان إسمه «تارخ» بإجماع أهل الملل، وأمّا «آزر»، فكان إمّا جدّ اُمّه، وإمّا مربّيه، وقيل غير ذلك.
ويقول: أتعبدون خشبة تنحتونها بأيديكم، لا تنفع ولا تضرّ، ولا تسمع ولا تبصر؟ فكانوا يقولون: «وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ» فيقول: «لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُم وَآبَاؤُكُمْ فِى ضَلاَلٍ مُبِينٍ»، ثمّ حضر عيدٌ لهم، فخرج نمرود، وجميع أهل مملكته إلى عيدهم، وكره أن يخرج معه إبراهيم، فوكله ببيت الأصنام، فلمّا ذهبوا عمد إبراهيم إلى طعام فأدخله بيت الأصنام، فكان يدنو من صنم صنم، ويقول له: كل وتكلّم، فإذا لم يجبه أخذ القدّوم ۱ فكسر يده ورجله، حتّى فعل ذلك بجميع الأصنام، ثمّ علق القدّوم في عنق الكبير منهم، الذي كان في الصدر.
فلمّا رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسّرة، فقالوا: «مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ»، وهو ابن آزر، فجاءوا به إلى نمرود، فقال نمرود لآزر: خنتني، وكتمت هذا الولد عني؟
فقال: أيها الملك، هذا عمل اُمّه، وذكرت أنها تقوم بحجّتها.
فدعا نمرود اُمّ إبراهيم، فقال لها: ما حملك على أن كتمتني أمر هذا الغلام حتّى فعل بآلهتنا ما فعل؟
فقالت: أيها الملك، نظراً منّي لرعيّتك.
قال: وكيف ذلك؟
قالت: رأيتك تقتل أولاد رعيّتك، فكان يذهب النسل، فقلت: إن كان هذا الذي يطلبه دفعته إليه ليقتله، ويكف عن قتل أولاد الناس، وإن لم يكن ذلك بقي لنا ولدنا، وقد ظفرت به، فشأنك، وكفّ عن أولاد الناس، فصوّب رأيها، ثمّ قال لإبراهيم عليه السلام: «مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا يا إبراهيم»؟ قال عليه السلام: «فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ».

1.القدوم: آلة للنّجر. المعجم الوسيط، ج ۲، ص ۷۲ (قدم).


مختصر تفسير القمّي
312

أقول: هذا كفر من الأبرش ۱ ، ولابدّ من أن يكون الإمام أنكر ذلك وحكم بارتداده، ومع هذا ففي هذا التفسير نظر ظاهر، فليتأمل؛ فإن كان هذا قد قاله الإمام فهو مؤوّل لا يوافق العقول، فلابدّ من التأويل. ۲
[ ۳۴ ] قوله: «وما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِك الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ»، فإنّه روي: «أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله رأى في نومه أنّ قروداً تصعد منبره وتنزل، فأخبره اللَّه بما يصيب أهل بيته من بعده، وأنّ الخلافة تكون في غيرهم، فاغتمّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله غمّاً شديداً، فنزلت » . ۳
وروي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال: «كأنّ الموت فيها على غيرنا كُتِب، وكأنّ الحق فيها على غيرنا وَجَب، وكأنّ الذين نشيّع من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون. ننزلهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنّا مخلّدون بعدهم، قد نسينا كلّ واعظة، ورمينا بكلّ جائحة.
أيها الناس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتواضع من غير منقصة، وجالس أهل الفقه والرحمة، وخالط أهل الذلّ والمسكنة، وأنفق مالاً جمعه في غير معصية.
أيها الناس، طوبى لمن ذلّت نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت خليقته، وأنفق الفضل من ما له، وأمسك الفضل من كلامه، عدل عن الناس شرژه، ووسعته السنّة، ولم يتعدّ إلى البدعة.
أيها الناس، طوبى لمن لزم بيته، وأكل كسرته، وبكى على خطيئته، وكان من نفسه في تعب، والناس منه في راحة.
من عرف اللَّه خاف اللَّه، ومن خاف اللَّه سخت نفسه عن الدنيا » . ۴

1.الكفر، إنّما هو على ما جاء في نسخته من سقوط كلمة «ابن»، ولا يرد ذلك على ما أثبتناه من الأصل.

2.لم يذكر المؤلّف تفسير الآيات ۳۲، فراجع الأصل.

3.رواه البحراني في البرهان، ج ۳، ص ۸۱۸، عن تفسير القمّي.

4.رواه البحراني في البرهان، ج ۳، ص ۸۱۸، عن تفسير القمّي. وأورد ما يقرب منه لفظاً القاضي ابن ودعان في كتابه الأربعين الودعانيّة، الحديث الأوّل. قد فصّلنا بيانه وذكرنا تخريجاته في تحقيقنا للأربعين الودعانية، فليراجع. وروى معناه عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، أيضاً الحكمة (۱۲۲). هذا، ولم يذكر المؤلّف تفسير الآيات ۳۷ و ۴۷، فراجع الأصل.

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82008
صفحه از 611
پرینت  ارسال به