247
مختصر تفسير القمّي

على تلك الحال، وهو قول اللَّه تعالى: «وَاسْتَبَقَا الْبَابَ»...الآية».
أقول: في هذا الكلام نظر؛ فإنّه ليس مذهب أصحابنا، وإنّما هو مذهب الحشويّة؛ فإنّ الأنبياء معصومون من أوّل العمر إلى آخره مطلقاً. وفي الكلام تقديم وتأخير يأتي بيانه ۱ ، وأيضاً: قد ذكر في الآية عدّة وجوه تدلّ على خلاف ما ذكره المصنّف.
[فبادرت امرأة العزيز فقالت للعزيز: «مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» فقال يوسف للعزيز: «هِىَ رَاوَدَتْنِى عن نَفْسِى وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا» ] ۲ فألهم اللَّه يوسف أن قال للملك: سل هذا الصبي في المهد؛ فإنّه يشهد أنّها راودتني عن نفسي، فقال العزيز للصبي، فأنطق اللَّه الصبي في المهد ليوسف حتّى قال: «إِن كَانَ قَمِيصُهُ»... الآية.
[ ۲۳ ] قوله: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَفْسِهِ» أي: دعته، «فَاسْتَعْصَمَ» أي: امتنع.
أقول: هذا دليل على ما قلناه من أنّه لم يقع منه ما ذكره المصنّف، ويكون تقدير الكلام: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَلولا أن رأى برهان ربّه لهَمَّ بِهَا، وَلكنّه رأى برهان ربّه فلم يهَمَّ بِهَا أصلاً. ويمكن أن يكون الهمّ في طباع البشر من الميل إلى النساء، لكن لم يقع منه عزم على الزنا بها.
وفي الخبر: أنّه ما أمسى يوسف في ذلك اليوم ۳ الذي رأته النساء فيه، حتّى بعثت إليه كلّ امرأة رأته تدعوه إلى نفسها، فضجر يوسف، فقال: «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ».
أقول: «أحبّ» ليس من أفعال التفضيل. ۴
[ ۳۶ ] قوله: «إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»، قال: «كان يقوم على المريض، ويلتمس

1.بعد سطور.

2.ما بين المعقوفتين من الأصل.

3.في «ط»: «البيت».

4.حتّى يكون مقابله محبوباً أيضاً، بل هذه اللفطة لبيان مجرّد كون هذا الشي‏ء محبوباً دون غيره. هذا و لم يذكر المؤلّف تفسير الآية ۳۵، فراجع الأصل.


مختصر تفسير القمّي
246

أَكْرِمِى مَثْوَاهُ» أي: مكانه «عَسَى‏ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِدَهُ وَلَداً» ولم يكن له ولد، فأكرموه وربّوه، فلمّا بلغ أشدّه هوته إمرأة العزيز، وكانت لا تنظر إلى يوسف امرأة إلّا هوته، ولا رجل إلّا أحبّه، وكان وجهه مثل القمر ليلة البدر. فراودته امرأة العزيز، وهو قوله: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبَوْابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ» فما زالت تخدعه حتّى همّ أن يجيبها، وهو قوله: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا» فقامت امرأة العزيز وغلّقت الأبواب، فلمّا همّا رأى ۱ يوسف صورة يعقوب في ناحية البيت، عاضّاً على إصبعيه، يقول: يا يوسف ! أنت في السماء مكتوب في ۲ النبيّين، وتريد أن تكتب في الأرض من الزناة ؟ فعلم أنّه قد أخطأ وتعدّى ». ۳
وروي: «أنّ الشهوة خرجت من إبهامه الأيسر».
وروي في حديث آخر: «أنّه لمّا همّت به وهمّ بها، قامت إلى صنم معها في بيتها، فألقت عليه ملاءة ۴ لها، فقال لها يوسف: ما تعملين؟ ۵ قالت: ألقي على هذا الصنم ثوباً لا يرانا، فإنّي أستحيي منه، فقال يوسف: فأنت تستحيين من صنم لا يسمع ولا يبصر، ولا أستحي أنا من ربّي؟ فوثب وعدا، وعدت من خلفه ۶ فلحقته عند الباب، ووافاها العزيز

1.العبارة في «ب» هكذا: «فلمّا أرادا أن يفعلا ذلك، روي أنّه رأى...».

2.في «ب»: «من».

3.رواه البحراني في البرهان، ج ۳، ص ۱۶۷ - ۱۶۸، عن تفسير القمّي. وهذ الحديث يوافق العامّة الذين لا يقولون بعصمة الأنبياء فى غير مورد التبليغ. وقد روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج ۱، ص ۱۹۱، ح ۱، عن الإمام الرضا عليه السلام تفسير ذلك يقول عليه السلام: «أمّا قوله تعالى في يوسف عليه السلام: «ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها» فإنّها همّت بالمعصية، وهمّ يوسف بقتلها إن أجبرته، لعظم ما تداخله، فصرف اللَّه عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله عزّ وجلّ: «كَذلِك لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ والْفَحْشاءَ» والسوء: القتل، والفحشاء: الزنا».

4.الملاءة: كلّ ثوب رقيق.

5.في «ب»: «ما تصنعين؟».

6.روى الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج ۱، ص ۲۰۱،ح ۱ فى قول اللَّه تعالى: «ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ»: قال الرضا عليه السلام: «لقد همّت به، ولو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها كما همّت به، لكنّه كان معصوماً، والمعصوم لا يهمّ بذنب ولا يأتيه. ولقد حدّثني أبي، عن أبيه الصادق عليه السلام، أنّه قال: همّت بأن تفعل، وهمّ بأن لا يفعل». فقال المأمون: للَّه درك، يا أبا الحسن. وفي العيون أيضاً، ج ۲، ص ۴۵، ح ۱۶۲ بإسناده عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أنّه قال في قول اللَّه تعالى: «لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ». قال: «قامت امرأة العزيز إلى الصنم، فألقت عليه ثوباً، فقال لها يوسف: ما هذا؟ فقال: أستحيي من الصنم أن يرانا. فقال لها يوسف: أ تستحيين ممّن لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه ولا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا ممّن خلق الإنسان وعلّمه؟! فذلك قوله عزّ وجلّ: «لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ رَبِّهِ»».

  • نام منبع :
    مختصر تفسير القمّي
تعداد بازدید : 82270
صفحه از 611
پرینت  ارسال به